الآن وبعد أن استقر نسبيا سباق الرئاسة وتحددت بشكل شبه نهائي أسماء المرشحين الذين لا غبار علي ترشحهم, يجدر بنا أن نتفكر قليلا فيما علينا أن نفعله, فمثلما تحددت أمامنا الأسماء علينا أن نحدد نحن ما نريده منهم. إن من بين المرشحين الذين أمامنا من يدفعون بالدولة الدينية التي تعتمد علي قانون الحرابة, وهو أول القوانين التي تقدم بها مجلس الشعب في دورته الحالية (!!), كما تعتمد علي أن يكون الدين وليس المواطنة هو المرجع في التعامل مع المواطنين, والمقصود بالدين هنا هو المفهوم الرجعي المتخلف الذي يقدمه مرشحو الدولة الدينية والذي يري مثلا أن تبقي المرأة في البيت كما أكد الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل في برنامجه الانتخابي المطبوع, والذي يري أيضا أن فوائد البنوك التي يقوم عليها النشاط المصرفي في العالم حرام, وينبغي إلغاؤها, كما أكد أكثر من مرة الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح, وهو موقف أكثر تشددا من الدول التي تدعي أنها دينية مثل إيران والسعودية والتي لم تلغ أي منها فوائد البنوك. أن نجاح هؤلاء المرشحين سيكون بلا شك نقلة نوعية في تاريخ البلاد حين تتحول دولة محمد علي بين يوم وليلة إلي دولة محمد بديع, وذلك يمثل أكبر تحد للمجتمع المصري المعاصر ذلك أن الدولة الدينية تنسف كل الأسس التي قام عليها هذا المجتمع, منذ خرج من ظلمات القرون الوسطي إلي عصر النهضة.
البديل الآخر المطروح علينا من خلال المرشحين هو استمرار النظام القديم ذو الطبيعة العسكرية والذي بدأ عام 1952 فحقق في سنواته الأولي بلا شك انجازات ضخمة, لكن مع رحيل مفجر الثورة الرئيس جمال عبدالناصر تحولت دولته العسكرية إلي دولة نفعية يسودها الفساد المالي والسياسي الذي وضع أسسه الأولي عهد الرئيس أنور السادات بسياسة الانفتاح التي فتحت المجال أمام الفساد وبتأسيس الحزب الوطني الديموقراطي الذي قام منذ إنشائه علي النفعية الاقتصادية والانتهازية السياسية, وقد وصل هذا النظام إلي قمته في دولة الرئيس السابق مبارك وولديه. إن ترشيح آخر رئيس وزراء لمبارك والذي عينه في مواجهة الثورة لهو رسالة واضحة من المرشح ومن يدعمونه بالعمل علي عودة الأمور إلي ما كانت عليه وكأن العام ونصف العام الماضي هو فترة استثنائية وغير محسوبة في تاريخ البلاد. ولقد مثل استبعاد عمر سليمان من السباق تقوية لشوكة الفريق أحمد شفيق الذي يبدو أنه كان حصيفا في عدم تنازله لعمر سليمان. كما كان البعض يتوقع, بحيث تصدر الآن شفيق المعسكر الذي يسعي للعودة إلي الدولة العسكرية.
إذن فالاتجاهان الواضحان أمامنا في المرشحين الحاليين للانتخابات هما اتجاه الدولة الدينية واتجاه الدولة العسكرية, وما بين هذا وذاك يبرز الاتجاه الثالث في عدد من المرشحين يتصدرهم السيد عمرو موسي وهو اتجاه الدولة المدنية التي من أجلها قامت الثورة والتي سيكون نجاحها تأكيدا لبدء الجمهورية الثانية في تاريخ مصر الحديث وهي جمهورية بطبيعتها مدنية تقوم علي الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية, فإذا اتباع توحد هذا الاتجاه كان صاحب أكبر الفرص في الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
علي أن هناك بعض العقبات التي تعترض طريق وحدة معسكر الجمهورية الثانية المدنية, أولها النزعة المتأصلة فينا للتركيز علي الخلافات الداخلية, وفي بعض الأحيان افتعالها بدلا من الاهتمام بالخطر الخارجي, فمثلما نجد الخلافات العربية العربية تأخذ الحيز الأكبر من العمل العربي بالمقارنة للمواجهة مع إسرائيل, نجد أيضا الرغبة في استبعاد بقية أعضاء هذا المعسكر أهم من مواجهة من يتهددون أهدافه. فإذا كان أقوي المرشحين في معسكر الدولة المدنية هو عمرو موسي وصمناه بأنه من العهد البائد رغم أنه لا تربطه أي صلة بالسياسات التي من أجلها تم اسقاط ذلك العهد, فهو لم يكن طرفا في الفساد السياسي الذي استشري في السنوات الأخيرة فلا كان عضوا في لجنة السياسات ولا كان عضوا أصلا في الحزب الوطني, كما لم يكن طرفا في الفساد المالي فلم نسمع أنه هرب أموالا للخارج ولا حصل علي أراضي أو عقارات في الداخل, ولا كان طرفا في مخطط التوريث, ولا كان جزءا من العلاقات الخاصة مع إسرائيل والتي جعلت زعماء الدولة اليهودية يصفون مبارك بأنه كان كنزا استراتيجيا لإسرائيل. إن عمرو موسي يمثل رجل الدولة صاحب الخبرة الممتدة عبر السنين الذي لم يتلوث بالنظام السابق والذي يتمتع بمكانة دولية مرموقة, نحتاج اليها في الفترة القادمة. ولقد اطلعت علي برنامج السيد عمرو موسي الذي يحمل عنوان إعادة بناء مصر فوجدته أكثر شمولا من أي من برامج المرشحين الآخرين, كما أنه يترجم المبادئ التي نادت بها الثورة, كما لا يفعل أي برنامج آخر, لكن الأهم من ذلك كله أنه ينقل مصر من النظام القديم الذي مازلنا نعيش في ظله حتي الآن إلي الجمهورية الثانية التي ستقطع صلتنا تماما بالنظام السابق لتبدأ مصر عهدا جديدا في تاريخها الحديث هو الترجمة المؤسسية لشعارات الثورة التي انطلقت في ميدان التحرير من الحرية والديمقراطية إلي العدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية.
إن التحدي الذي تواجهه الآن الدولة المدنية في انتخابات الرئاسة المقبلة هو تحد داخلي بين أتباعها, فهل سيتمكنون من نبذ خلافاتهم والتكتل وراء المرشح الأقوي, أم سيتركون الساحة لأتباع الدولة الدينية من جانب وأتباع الدولة العسكرية من جانب آخر؟! المزيد من مقالات محمد سلماوي