ستظل حرب أكتوبر 1973 نقطة مضيئة فى التاريخ المصرى بعد أن أزالت عار هزيمة يونيو 1967 وبعد ان أثبتت للعالم ان المصريين قادرون على هزيمة إرادة وطموح وغرور دولة إسرائيل وجيش دفاعها برغم كل الظروف المحيطة دوليا وسياسيا وعسكريا. فعندما أخذ الرئيس الراحل أنور السادات قرار حرب أكتوبر اختلفت الرؤية للقوتين العظميين فى ذلك الوقت الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد السوفيتى تجاه الصراع العربى الإسرائيلى, حيث لم يكن هناك علاقات دبلوماسية بين واشنطن وكل من القاهرة ودمشق حيث أن العلاقات قد قطعت فى أعقاب حرب 1967 ومع ذلك فقد كانت اتصالات ومشاورات مصرية أمريكية بشأن تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 242, والذى كان أهم بنوده "انسحاب القوات الإسرائيلية من أراض احتلت فى النزاع الأخير" وكان آخر تلك الاتصالات الهامة زيارة حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومى إلى واشنطن فى 23 فبراير 1973 وكان محصلة هذه الاتصالات الوصول إلى نتيجة جوهرها انحياز الولاياتالمتحدة الكامل إلى إسرائيل, حيث يقول حافظ إسماعيل: "لقد وصلنا إلى حد القبول بالدخول فى اتفاق سلام مع إسرائيل, وهذه هى المرة الأولى التى يقوم فيها رئيس دولة عربى فى نحو ربع قرن باتخاذ قرار يعلن استعداده للدخول فى اتفاق سلام مع إسرائيل.. ومن هنا، إذا لم يكن هذا هو الحل الذى تريده مصر، فماذا بقى لها؟ أن تقبل بالأمر الواقع؟ أو أن تمضى إلى الحرب؟ كيسنجر: "لقد حاولت فى المرة الماضية أن أشرح لك ما أفكر فيه ، إقرارنا بالسيادة المصرية، وأكدت لك أن إسرائيل سوف تعارض هذا الجانب بشدة. " وتكشفت الوثائق الأمريكية عن حرب أكتوبر ذلك الدور الكبير الذى لعبه وزير الخارجية الأسبق ومستشار شئون الأمن القومى هنرى كيسنجر فى إدارة وتشكيل نتائج هذه الحرب, فلقد كان كيسنجر هو المحرك الأول لعملية إمداد إسرائيل بالسلاح لتعويض خسائرها الكبيرة فى بداية الحرب ومساعدتها من أجل استعادة تفوقها العسكري. وبجانب العوامل الشخصية التى كانت تربط كيسنجر بإسرائيل لكونه يهودى الديانة، وكيف كان لحرب أكتوبر دور هام فى إطار الحرب الباردة التى كانت تدور بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتى فى ذلك الوقت، وتشديد كيسنجر لدى سعيه لإقناع أقطاب الإدارة على ضرورة مساندة إسرائيل بكل قوة على عدم إمكانية السماح لأحد حلفاء أمريكا بأن يلقى هزيمة على يد سلاح سوفيتى يحارب به العرب. ويوضح الدكتور على الدين هلال أستاذ العلوم السياسية فى ورقة بحثية بندوة عقدتها القوات المسلحة أن الدور الامريكى والداعم لإسرائيل خلال حرب أكتوبر يتمثل فى دعم إسرائيل عسكريا والتنسيق معها سياسيا , حيث لعب هنرى كيسنجر وزير الخارجية الامريكى فى ذلك الوقت دورا هاما فى وقوف الولاياتالمتحدة بجانب إسرائيل فى الحرب , حيث كان الاعتقاد بان النتائج العسكرية التى أسفرت عنها الأيام الأولى للقتال هى مسألة طارئة ومؤقتة وأن الهجوم الإسرائيلى المضاد سوف يحول الانتصار المصرى الى هزيمة ساحقة وان هذا الهجوم كما وصف كيسنجر فى مذكراته سوف يقلب كل الموازين ويقود العرب الى " حافة الهاوية " على حد وصفه وقام كيسنجر بتأييد طلب إسرائيل فى 7 أكتوبر, بالتعويض عن الخسائر التى تلقتها خصوصا فى مجال الطائرات, بدعوى أن الانتصار العربى سيؤدى إلى رفع مكانة موسكو فى المنطقة, وظل يتحرك فى عدة محاور لدعم إسرائيل حتى انه طلب فى يوم 9 أكتوبر من الملك حسين ملك الأردن عدم التدخل فى المعركة, وبعث برسالة إلى موسكو يطلب من الاتحاد السوفيتى التوقف على تحريض الرئيس الجزائرى بومدين دعم مصر وسوريا فى الحرب و كما طلب من السفير الإسرائيلى ان تركز جماعات الضغط الإسرائيلية على الكونجرس حتى يقوم الكونجرس بدوره فى مساندة إسرائيل حتى قامت أمريكا بالجسر الجوى لإسرائيل حيث يذكر المشير عبد الغنى الجمسى ان واشنطن استخدمت على هذا الجسر 228 طائرة بلغت عدد رحلاتها 596، بالإضافة للجسر البحرى الذى قام بنقل الدبابات والمدافع والعربات المدرعة وكان من الواضح أن وصول هذه الأسلحة إلى إسرائيل أدى إلى دعم القدرة العسكرية الإسرائيلية وهو ما مكنها من مواجهة الهجوم الذى قامت به القوات المصرية فى 14 أكتوبر , وفى يوم 17 أكتوبر طلب كيسنجر استمرار الجسر مؤكدا " لابد أن نمضى فى هذا الشوط حتى يصرخ أحد الأطراف ويخرج من المعركة, وظلت أمريكا على موقفها فى دعم إسرائيل حتى التصعيد الدبلوماسى بين أمريكا والاتحاد السوفيتى بسبب قيام إسرائيل لقرار وقف إطلاق النار فى 22 أكتوبر . أما الموقف السوفيتى فقد تمثل فى كونها السند العسكرى والسياسى لمصر وسوريا خلال فترة ما قبل الحرب حيث كان الاتحاد السوفيتى عقب الحرب العالمية الثانية, وظهوره كقوة عالمية ثانية, فقد كانت توجهاته نحو تقليص نفوذ بريطانيا وفرنسا فى المنطقة, والحد من قدرة الولاياتالمتحدة على بسط نفوذها عليها, وقد كانت قضية فلسطين مجالا للمزايدة بين الدول الكبرى , والواقع أن الاتحاد السوفيتي, كان يتعامل مع اليهود فى فلسطين من منطلق إمكانية انتشار الشيوعية فى المنطقة, خاصة أن أعدادا كبيرة منهم هاجرت من الاتحاد السوفيتي, إلى جانب تقديره إلى إمكانية قيام اليهود بزعزعة النفوذ البريطانى فى فلسطين, وبالتالى إمكانية تحالف الاتحاد السوفيتى مع الدولة اليهودية الناشئة, لذلك فإنه أغدق فى إمداد اليهود بالأسلحة. وبعد حرب يونيو 1967 كانت علاقة موسكو بدمشق وثيقة وحميمة , بينما كانت العلاقة مع مصر متوترة بسبب قرار الرئيس السادات بإبعاد المستشارين العسكريين السوفييت فى 1972 مما أوجد الشعور لدى بعض عناصر صنع القرار السوفيتى بأن مصر تستخدم علاقتها بالاتحاد السوفيتى كورقة للضغط على واشنطن , ومع بدء الحرب أبلغت موسكو الرئيس السادات استعدادها لتزويد مصر بصواريخ الفولجا التى تساعد على حماية القوات داخل سيناء عندما تبتعد عن حائط الصواريخ , وإزاء تطور الموقف على الجبهة السورية أصدرت وزارة الدفاع السورية فى 11 أكتوبر أمرا بوضع 3 فرق من القوات المحمولة جوا فى حالة تأهب , وخلال أغلب أيام القتال , استمر الجسر العسكرى السوفيتى لكل من مصر وسوريا ولكن يوجد خلاف بين الباحثين حول تقدير حجم هذا الجسر وعما إذا كان قد استجاب لكل الطلبات العسكرية المصرية . كما كان للدعم السياسى السوفيتى خلال حرب أكتوبر من خلال ثلاث جبهات حيث كان لها دور واضح بشأن القرار الذى يصدره مجلس الأمن ففى 10 أكتوبر أبلغت موسكوواشنطن موافقتها على صدور قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار فى مواقع القوات الحالية على أن يتضمن القرار البدء فى المفاوضات لإنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية وفى 13 أكتوبر وجه الاتحاد السوفيتى احتجاجا على الغارات التى شنها الطيران الإسرائيلى على أهداف مدينة مصرية وسورية , كان أرسل الاتحاد السوفيتى احتجاجا لمجلس الأمن بشأن الجسر الجوى الأمريكى لإسرائيل . كما قامت موسكو بالاتصال ببعض الدول العربية وحثها على المشاركة فى العمليات العسكرية , والتدخل لدى إيران وممارسة الضغط عليها حتى لا تقوم بأجراء يكون من شأنه تعويق قدرة العراق على دعم الجبهة السورية حتى قرار وقف إطلاق النار فى 22 أكتوبر وما تبعه من تصعيد دبلوماسى وسياسى بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد السوفيتى.