تقترب معركة الانتخابات الفيدرالية الكندية من نهايتها حيث يتم حسم المعركة فى يوم 19 اكتوبر المقبل.. وفى حين يذهب جميع المحللين السياسين الى ان الحكومة القادمة ستكون حكومة اقلية لمصلحة الحزب الليبرالى بمعنى انه من المتوقع أن يفوز الحزب الليبرالى بالانتخابات ويشكل الحكومة برئاسة زعيم الحزب جوستان ترودو ولكنه لن ينجح فى الحصول على اغلبية معقولة داخل البرلمان ذاته، حيث ستتفتت الاصوات بين الحزب الديمقراطى الجديد وحزب المحافظين والحزب الاخضر. خطورة حكومات الاقلية فى دولة مثل كندا انها حكومات قصيرة المدى لأن الخلافات داخل المناقشات البرلمانية تؤدى لسقوطها سريعا والاضطرار لحل البرلمان واجراء انتخابات جديدة ، فاقصى مدة استطاعت حكومة اقلية الصمود خلالها كانت عامين فقط.. ليس هذا وحده بل إن حكومة الاقلية عادة ما تكون غير قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة فى القضايا الملحة وكذلك تؤثر بشكل سلبى على الاوضاع الاقتصادية الداخلية واسعار فوائد البنوك وما الى ذلك..وتؤكد استطلاعات الرأى الكندية ان الحزب الليبرالى يتصدر قائمة اختيارات الناخب الكندى ويليه الحزب الديمقراطى الجديد فى حين يأتى حزب المحافظين الحاكم فى المركز الثالث.. وهو ما يعلق عليه احد الخبراء بقوله : لا يمكن الاعتماد على استطلاعات الرأى كمؤشر حقيقى وصادق لاتجاهات الناخب فى كندا ، لأنه عادة ما يقدم اجابات غير حقيقية خلال الاستطلاع تعبر عما يأمل ان يفعله لكن عندما يكون امام صندوق الاقتراع فإن اختياره يعتمد على اولويات اخرى اهمها الاقتصاد بالطبع وكذا معرفته بالمرشح وهل هو شخص موثوق به وبوعوده ام لا ؟ نعم إن الاقتصاد هو الاولوية الكبرى فى حياة الكنديين فما يعنيهم هو ما هى نسبة الضرائب التى سيتم اقتطاعها من دخل الفرد وكيف سيتم انفاق هذه الضرائب وما هى حجم الامتيازات التى ستمنحها الحكومة للاسر وللافراد ، ومستوى الخدمات التى ستقدمها الحكومة والإدرات المحلية .. والامر هنا ليس متعلقا بتقليل الضرائب او بزيادتها، ففى اجتماع لمؤسسة مدنية تعمل بدعم وتمويل من الحكومة على توعية الافراد من اصحاب الدخول المنخفضة بأهمية التصويت فى الانتخابات مع التركيز على النساء كان النقاش حول اهمية المطالبة بضرورة زيادة نسبة الضرائب التى يدفعها الفرد التى تذهب للادارة المحلية للمدينة ، ذلك انه تم تقليص هذه الضريبة قبل سنوات وهوما أدى لضعف مستوى وكفاءة الخدمات الخاصة بتنظيف الشوارع وازالة اكوام الثلوج فى خلال اشهر الشتاء الكندى الطويل. الامر يبدو مثيرا ان تكون احد مطالب الناخب الكندى زيادة الضرائب، لكنه من ناحية اخرى يعكس ثقته فى ان ما يقوم بدفعه من ضرائب لحكومته يستردها فى شكل خدمات حقيقية وفعالة يستفيد منها.وهذا تحديدا ما يضع حزب المحافظين فى مأزق، فتركيزه على تخفيض بعض الضرائب وزيادة الاموال المدفوعة للاسر التى لديها اطفال ، لا يمكن ان يكون عامل جذب لاصوات الناخبين الذين يعنيهم فى المقام الاول مستوى الخدمات التى يحصلون عليها ومدى ملاءمتها لما يدفعونه من ضرائب. تركز وسائل الإعلام الكندية على قضايا السياسة الخارجية التى تبدو كندا طرفا فيها ، فالخبر الاول فى نشرات اخبار راديو وتليفزيون سى بى سى الممول من الحكومة الكندية دائما ما يكون عن مشكلة اللاجئين السوريين ، وقد كان لصورة الطفل السورى الغارق تأثير عنيف على حكومة المحافظين بقيادة رئيس الوزراء الحالى ستيفن هاربر، خاصة ان للاسرة المكلومة أقارب فى كندا كانوا قد تقدموا بطلب لحكومة هاربر يتعهدون فيه بكفالة الاسرة وهو ما تم رفضه.. لقد شكل الامر ما يشبه الفضيحة لحزب المحافظين ، لكن رئيس الوزراء وزعيم الحزب اصرا على الظهور بقوة مؤكدا ان أمن الكنديين فى الداخل هو اولويته بصرف النظر عن الاعتبارات الانسانية. وهو ما استغلته وسائل الاعلام لتقديم هاربر فى صورة الرجل القاسى الذى لا يظهر التعاطف مع الحالات الإنسانية ، وقدم فرصة من ذهب للأحزاب المعارضة للهجوم على المحافظين. لكن قضية اللاجئين لا يمكن ابدا اعتبارها ضمن اولويات الناخب الكندى فقد تكون موضوعا ملحا فى نقاشات الإعلام والنخب المثقفة لكن بالنسبة للمواطنين العاديين قد تكون آخر ما يمكن ان يفكروا به، خاصة ان المؤشرات تؤكد اقتراب الاقتصاد العالمى من الدخول فى ازمة جديدة. مع الوضع فى الاعتبار ان معدلات البطالة قد بدأت فى الارتفاع داخل كندا وانخفاض اسعار النفط عالميا تؤثر سلبيا على مقاطعة البرتا احد اهم اعمدة الاقتصاد الكندى مؤخرا. وخلال كل هذه الظروف يعد العرب والمسلمون كتلة تصويتية لا يستهان بها فى معركة الانتخابات الكندية على انها ليست كتلة تصوت بشكل موحد ففى حين تذهب نسبة كبيرة من اصوات المسلمين ( والذين يشكلون نحو 2% من الكنديين) للحزب الليبرالى باعتباره الحزب الذى يبدى تسامحا اكبر مع الاقليات وقبولا للمختلفين، وهذا ما يفسر اقبال المرشحين المسلمين للترشح على قوائم الحزب الليبرالى الذى حصد نسبة 46% ،فى حين ذهبت 36% للحزب الديمقراطى الجديد ، مقابل 12% فقط للمحافظين خلال الانتخابات الماضية. ورغم أن الحزب الليبرالى يأتى فى المرتبة الاولى فى تفضيلات الجالية العربية ذلك ان حزب المحافظين تتسم سياساته الخاصة بالمهاجرين بالتشدد، فإنه فى ذات الوقت ربما يكون هو الاختيار الامثل لافراد الجالية العربية القادمين من مجتمعات محافظة اخلاقيا، فحزب المحافظين يقدم نفسه بوصفه الحزب المحافظ على القيم الأسرية والاخلاق والفضيلة . على كل حال فإن البعض يذهب الى ان نسبا تتجاوز 18% من المرشحين للبرلمان الكندى على قوائم الحزبين الليبرالى والديمقراطى الجديد من المسلمين وهو ما يضع تصورا لأحد ملامح البرلمان الكندى القادم. ويعود السبب فى ان النسب عير محددة بدقة إلى انه من المستحيل فى دولة مثل كندا الاشارة الى الهوية الدينية للمرشح بشكل علنى لان ذلك يعد تدخلا فى الاختيارات الشخصية ومنافيا لمباديء حقوق الانسان. خلال ايام معدودة سيشكل الكنديون حكومتهم القادمة وفيما قد تتقارب النسب بين الاحزاب السياسية الكندية او تتفاوت فوحده صندوق الاقتراع هو من سيحسم المعركة.