مازال قانون العزل السياسي الذي أقره مجلس الشعب الخميس الماضي والذي تولت رعايته أحزاب الاسلام السياسي يثير حالة من اللغط و الجدل, واصبحت الكرة الآن في ملعب المجلس العسكري, الذي بات صاحب الخطوة التالية والجميع ينتظر كيف سيكون المسار القانوني والسياسي للقانون . وهل سيكون المرحلة الاخيرة من الجدل السياسي بين القوي المختلفة ام سيستمر الجدل. الدكتور صبري محمد السنوسي أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق جامعة القاهرة ومدير مركز البحوث والاستشارات القانونية والتدريب بالكلية يستعرض معنا المطبات والمنحنيات الموجودة في طريق قانون العزل السياسي فيقول إن تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية علي هذا النحو به شبهة عوار دستوري ويتساءل كيف يمكن عرض هذه المسألة علي المحكمة الدستورية العليا ؟ أم أن هذا القانون محصن ضد الطعن بعدم الدستورية ؟! وما هو السند الدستوري لذلك؟!, وهل هذه الرقابة تكون رقابة لاحقة كما هو الحال بالنسبة للرقابة علي دستورية القوانين كأصل عام في مصر, وهل يمكن لمن يستبعد من سباق الرئاسة استنادا إلي هذا القانون الطعن علي القانون وكيف ومتي يمكنه ذلك ؟ ويوضح ان الاجابة علي هذه التساؤلات في غاية الصعوبة لأن ما يصدر من لجنة الانتخابات الرئاسية وفقا لنص المادة28 من الإعلان الدستوري كما هو معلوم محصن ضد أي شكل من أشكال الطعون حيث نصت علي أنه( وتكون قرارات اللجنة نهائية ونافذة بذاتها, غير قابلة للطعن عليها بأي طريق وأمام أية جهة, كما لا يجوز التعرض لقراراتها بوقف التنفيذ أو الإلغاء). ويشير الي ان ما يزيد الأمر تعقيدا أيضا التساؤل حول وسيلة اتصال المحكمة الدستورية العليا بالدعوي الدستورية عن طريق لجنة الانتخابات الرئاسية, فهل تملك اللجنة الإحالة إلي المحكمة الدستورية العليا ذ أو قبول الدفع أمامها بعدم دستورية قانون مباشرة الحقوق السياسية من المرشحين المستبعدين ذ وهل لا يوجد تعارض أو تناقض بين وجود رئيس المحكمة الدستورية العليا وأقدم نواب المحكمة الدستورية العليا ضمن تشكيل هذه اللجنة واتصالهم بدعوي الدستورية التي يمكن عرضها علي المحكمة الدستورية العليا دون وجودهم في تشكيلها بلا أدني شك ؟! كل هذه الانتقادات تدفعنا بلا شك إلي تبني وجهة النظر القائلة بوجوب عرض هذا القانون قبل إصداره علي المحكمة الدستورية العليا لهذا السبب ولسبب آخر, هو اتصال هذا القانون ذ قانون مباشرة الحقوق السياسية- بقانون الانتخابات الرئاسية لأن هذا الأخير قد تطلب من بين شروط الترشح لرئاسة الجمهورية وفقا لنص المادة26 من الإعلان الدستوري أن يكون المنتخب متمتعا بحقوقه المدنية و السياسية, ولهذا يري البعض اتصال تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية بقانون الانتخابات الرئاسية وهو ما يستوجب عرضه علي المحكمة الدستورية العليا, ونحن نؤيد هذه الوجهة من النظر وندعمها للاعتبارات السابقة والمتعلقة بصعوبة, بل استحالة الطعن بعدم الدستورية علي هذا القانون من جانب المستبعدين من مرشحي الرئاسة في الانتخابات التي ستجري في مايو2012. واضاف ان هناك نقطة أخيرة تتعلق بإصدار القانون أو الاعتراض عليه من جانب المجلس العسكري وهي السلطة التي منحتها الفقرة الخامسة من المادة56 من الإعلان الدستوري للمجلس العسكري, وأما بخصوص حق الاعتراض علي القوانين فلم يوضح نص الإعلان الدستوري كيفية الاعتراض وشروطه, كما كان يفعل ذلك نص المادة113 من دستور1971, فالمادة المشار إليها كانت تنص علي أنه( إذا اعترض رئيس الجمهورية علي مشروع قانون أقره مجلس الشعب رده إليه خلال ثلاثين يوما من تاريخ إبلاغ المجلس إياه, فإذا لم يرد مشروع القانون في هذا الميعاد اعتبر قانونا وأصدر, وإذا رد في الميعاد المتقدم إلي المجلس وأقره ثانية بأغلبية ثلثي أعضائه اعتبر قانونا وأصدر), أما وقد خلا النص الحالي من أي تنظيم يتعلق بممارسة حق الاعتراض فلا يمكن القياس في هذا الشأن أو الزعم بوجود عرف دستوري. والتفسير السليم وفق صحيح النص أن حق الاعتراض مكفول للمجلس العسكري دون ارتباط بأية مواعيد أو إبداء أية أسباب. ويضيف: أما بخصوص حق إصدار القوانين, وهي المرحلة الأخيرة من مراحل صدور القانون فهذه المرحلة هي بمثابة شهادة ميلاد القانون, وتكون بعد الموافقة علي القانون من قبل المجلس العسكري- أو رئيس الجمهورية- ويقصد بعملية الإصدار إظهار القانون بشكل رسمي, وهي عملية منفصلة عن القانون ذاته, وعمل تنفيذي لا تشريعي وليست هناك مدة محددة لعملية إصدار القانون, حيث لم تنص الدساتير المتعاقبة علي مدة للإصدار, ولكنها واجب من واجبات القائم مقام رئيس الدولة, وهو في حالتنا هذه المجلس العسكري الذي عليه إن لم يرغب في الاعتراض علي القانون ألا يتأخر في إصدار القانون, أما بالنسبة لوجود جزاء لعدم الإصدار فمادام الإعلان الدستوري لم ينص علي مدة محددة للإصدار فمن البديهي أنه لن يكون هناك جزاء معين لعدم الإصدار والأمر في النهاية في يد الرأي العام والعمل علي احترام نصوص الإعلان الدستوري. ويشير الي أن الإعلان الدستوري لم ينص علي مدة معينة لنشر القوانين بينما كانت تنص المادة188 من دستور1971 علي أنه( تنشر القوانين في الجريدة الرسمية خلال أسبوعين من يوم إصدارها, ويعمل بها بعد شهر من اليوم التالي لتاريخ نشرها إلا إذا حددت لذلك ميعادا آخر), ومن ثم فإن التسرع في إصدار هذا التعديل لقانون مباشرة الحقوق السياسية وتطبيقه علي مرشحي الرئاسة الحاليين الذين اكتسبوا ذ من وجهة نظري ذ مركزا قانونيا محددا بتوافر الشروط التي حددها قانون الانتخابات الرئاسية يوم فتح باب الترشح للرئاسة وهو الثامن من مارس2012 لا يجوز المساس به هذا من ناحية, كما أنه من ناحية ثانية قد يكشف سببا آخر للطعن علي القانون بعيب عدم الانحراف التشريعي واشار ايضا أنه قد فات علي البرلمان أن يحذف لفظ( يحرم) الواردة في مقدمة المادة الثالثة ليحل محلها لفظ( تقف) كما هو الحال في صلب عنوان المادة الثالثة, وهو الأمر الذي يلقي بشبهة عدم الدستورية حول هذا التعديل لوضوح عيب الانحراف فيه وهو ما سنعود لمناقشته بعد قليل. وقال: لو رجعنا إلي المادة الثالثة من قانون مباشرة الحقوق السياسية لوجدنا أنها تنص علي أنه( تقف مباشرة الحقوق السياسية بالنسبة للأشخاص علي كل من المحجور عليهم مدة الحجر و المصابون بأمراض عقلية المحجوزون مدة حجزهم و الذين شهر إفلاسهم مدة خمس سنوات من تاريخ شهر إفلاسهم ما لم يرد إليهم اعتبارهم قبل ذلك, مؤكدا انه لا شك أن الإيقاف يختلف عن الحرمان; إذ إن الحرمان يحمل معني العقوبة, أما الإيقاف فلا يحمل هذا المعني, والحجر يكون بحكم قضائي, أما الحجز لمرضي العقول فيكون بقرار من مجلس مراقبة الأمراض العقلية. ويضيف: أما المحرومون من مباشرة حقوقهم السياسية فهم وفقا لنص المادة الثانية من قانون مباشرة الحقوق السياسية بعد تعديلها بالقانون رقم173 لسنة2005 يتمثلون في المحكوم عليه في جناية ما لم يكن قد رد إليه اعتباره. ومن صدر حكم محكمة القيم بمصادرة أمواله, ويكون الحرمان لمدة خمس سنوات من تاريخ الحكم.والمحكوم عليه بعقوبة الحبس في سرقة أو إخفاء أشياء مسروقة أو نصب أو إعطاء شيك لا يقابله رصيد أو خيانة أمانة أو غدر أو رشوة أو تفالس بالتدليس أو تزوير أو استعمال أوراق مزورة أو شهادة زور أو إغراء شهود أو هتك عرض أو إفساد أخلاق الشباب أو انتهاك حرمة الآداب أو تشرد أو في جريمة ارتكبت للتخلص من الخدمة العسكرية والوطنية, كذلك المحكوم عليه لشروع منصوص عليه لإحدي الجرائم المذكورة, وذلك ما لم يكن الحكم موقوفا تنفيذه أو كان المحكوم قد رد إليه اعتباره. وكذلك المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية في إحدي الجرائم المنصوص عليها في المواد من41 إلي51 من هذا القانون, وذلك ما لم يكن الحكم موقوفا تنفيذه, أو كان المحكوم عليه قد رد إليه اعتباره. ومن سبق فصله من العاملين بالدولة أو القطاع العام لأسباب مخلة بالشرف ما لم تنقض خمس سنوات من تاريخ الفصل إلا إذا كان قد صدر لصالحه حكم نهائي بإلغاء قرار الفصل أو التعويض عنه. ويضيف انه باستعراض النصوص التي تتعلق بالحرمان أو الإيقاف لمباشرة الحقوق السياسية يتبين أن الحرمان أو الإيقاف- الذي يحمل معني الحرمان- لا يكون إلا بحكم قضائي ولهذا فإن قانون الغدر قد تطلب ذلك, هذا من ناحية, ومن ناحية ثانية فإن تكييف الحرمان بأنه جزاء أو عقوبة يقتضي عدم جواز تقريره بأثر رجعي لمخالفة ذلك لنص المادة19 من الإعلان الدستوري التي تنص علي أن) ت العقوبة شخصية, ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي قانون, ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي, ولا عقاب إلا علي الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون). توهذه الأمور في الحقيقة قد تكون محل خلاف في الرأي, أما الأمر الذي نعتقد أنه يجب ألا يشهد خلافا في الرأي فهو شبهة عدم دستورية القانون لانحراف التشريع عن غايته الأساسية وهي المصلحة العامة, فما هو المقصود بهذا العيب وهل يمكن نسبة هذا العيب للمشرع أم لا ؟ وهل سبق للقضاء أن تعرض لهذا العيب أم لا ؟ ويوضح: أما عن مضمون هذا العيب أو تعريفه فهو كما قلنا يتعلق بالغاية من التشريع الذي يجب أن تستهدف أساسا المصلحة العامة وحيث يكون متروكا في الأصل سلطة تقديرية للمشرع, ومن ثم إذا خرج المشرع عن هذا الهدف كان التشريع معيبا بعيب الانحراف وهو يكون ذلك بطبيعة الحال إذا كان التشريع يهدف إلي تحقيق مصلحة فردية أو جماعية لمجموعة من الأشخاص أو من الأحزاب السياسية أو كان هدفه الإضرار بفرد أو مجموعة من الأفراد بذواتهم أو فئة من الناس علي غير ما تقتضيه المصلحة العامة, ولاشك أن تقدير أمر ذلك متروك للمحكمة الدستورية العليا لا إلي البرلمان المطعون في عمله التشريعي.