لعيد الأضحى المبارك فى تونس مذاق خاص ينتظره الصغير قبل الكبير بشغف شديد .. تنبعث طقوس العيد فى أجواء تونس قبل أسبوعين من العيد، تنطلق معها الاستعدادات الحثيثة فى كامل ولايات الجمهورية، من «الكانون» و»الشواية» إلى البهارات والبخور. تنشط الحركة الاقتصادية فى البلاد بمناسبة عيد الأضحى انطلاقا من المحلات ووصولا للشوارع التى تشهد عددا متزايدا من الباعة الجائلين الذين تتنوع سلعهم بين البخور والاكليل الجبلى والزعتر والسكاكين والسواطير والبهارات بأنواعها. تولى الأم التونسية لهذه المناسبة عناية خاصة، تعدّ بناتها لتجربة الطبخ فى بيوت أزواجهنّ، تجهّزهنّ بأدوات الطبخ الصغيرة، من حلل وكوانين وشوايات وتشرف بنفسها على تدريبهن والاستمتاع معهنّ بهذه التجربة الفريدة. بعد اختيار خروف العيد، والذى يجب أن يعجب الطفل قبل والديه، يبدأ الابداع فى تزيينه بالحنّة على جبينه وصوفه وبالخيوط الملوّنة، يخرج الأطفال كل صباح بخروفهم يتباهون بقرونه وزينتهم، وقد تشهد بعض الساحات الشعبية حلقات من نطاح الكباش غالبا ما تنتهى بهزيمة كبش على حساب الآخر وتخلّف وراءها أجواء من الانتصار فى أوساط الحى الرابح ومرارة الهزيمة فى الحى المهزوم. ذلك الخروف الزائر غالبا ما يتحوّل إلى فرد من العائلة بعد بضعة أيام فيعزّ على العائلة ذبحه. تستيقظ العائلة باكرا للحاق بصفوف المصلين فى صلاة العيد، تتعالى الأصوات من المساجد بالذكر مع روائح البخور. ويعود المصلون إلى بيوتهم ليشهدوا طقوس الذبح باكرا. الأكلات المميزة للعيد وإن إختلفت من ولاية إلى أخرى، إلا أنها تجتمع على مبدأ «اللّمة».وبعد الذبح والسلخ، تظهر المرأة التونسية نشاطا وبراعة فى تنظيف «الدوارة» (أحشاء الخروف) التى تصنع منها بعد ذلك بكل حرفية وصبر أشهر أكلات العيد فى كامل تراب الجمهورية ألا وهى «العصبان». تبقى هذه الأكلة اللذيذة، رغم العناء الذى تتكبده المرأة التونسية فى إعدادها، من أبرز الأكلات التى تميز المائدة التونسية خلال أيام العيد ويعود تاريخها إلى القرن الثالث عشر توارثتها الأجيال كمقياس للحكم على مهارة المرأة وكفاءتها. يتكون «العصبان» أساسا من «الزوايد» وهو كل ما وجد فى جوف الخروف كالرئتين والكبد والأمعاء وبعض اللحم، التى تنظف وتقص قطعا صغيرة، وتضيف إليها الخضراوات كالسلق والبقدونس والثوم والبصل وغيرها التوابل والبهارات. ويتم مزج كل هذه المكونات ليتم حشوها فى قطع مخيطة من «كرش» الخروف بعد تنظيفها جيدا . عادة ما تؤجل العائلات هذه الأكلة الدسمة لثانى أو ثالث أيام العيد، وتكتفى فى البداية بالمشاوى. وتجتمع الفتيات الصغيرات أمام قدورهنّ الصغيرة لإعداد «الزقديدة»، وهى عبارة عن قطع لحم صغيرة تطبخ فى «مقفول» أو قدر صغير على كانون من الطين به بعض من الفحم. وفى انتظار «العصبان»، تجتمع العائلات التونسية على أكلة معروفة فى تونس وهى «القلاية»، هى عبارة عن قطع صغيرة من اللحم والقلب والكبد فى الصلصة. كما تتفنن المرأة التونسية فى إعداد «المصلى» الذى يتكون بالأساس من قطع لحم الخروف والبصل والبطاطا ، وتعتبر هذه الأكلة من ابرز الأكلات التى تلجأ إليها المرأة التونسية خلال الأيام الأولى للعيد نظرا لسهولة إعدادها. ولا تنسى المرأة التونسية «الشاطرة» أن تحرص على الاحتفاظ بنصيب صغير من اللحم فتتبله وتجففه ثمّ تقليه وتخزنه لتستعمله مقددا (شرائط من اللحم تعد فى تونس على شكل قديد) على مدار السنة .. أهل الجنوب التونسى لا يقددون اللحم، بل يستهلكونه طازجا، ويقسمونه على حسب العائلات وأعدادها ويتصدّقون بالكتف أو الفخذ. صبيحة العيد، تبادر النساء إلى خبز العجين وإعداد «خبز الفطير» فى طاجن من الطين على «الكانون»، إلى جانب سلطة مشوية من فلفل وطماطم. وبعد الذبح والسلخ تجتمع العائلة على شوى اللحم فى الكوانين.