المجتمعات التي يضربها وباء الطاعون، ثم تكتب لها النجاة، تظل لوقت طويل خائفة، متعثرة في سيرها، لأن ظل الوباء لا يغادر سريعا، ولأن ذاكرته لا تنسي ولا تستسلم بسهولة، لذلك فإن احتمالات عودته تظل قائمة. تؤمن المجتمعات وجودها، وتحاصر فرص الوباء في العودة، باتخاذ إجراءات الوقاية والعزل، حتي تتأكد تماما من زوال الأسباب التي جلبته، وأن الأشخاص «حاملي الميكروب» قد شفوا تماما، ولم يعودوا يمثلون خطرا علي الصحة العامة، وأنهم جردوا من أسباب «وقاحتهم» الكبيرة، التي تدعوهم إلى البقاء وعدم الانزواء، حتي يمنحوا الفرصة لضمائر جديدة، ودماء جديدة، أن تسكب في شرايين الوطن، العافية والنظافة والتقدم. ترتكب المجتمعات جريمة كبري، عندما تستخف بالأمر، ولا تتخذ الإجراءات الواجبة ، حتي لا يعود الوباء مرة أخرى، وتصبح الجريمة مضاعفة، عندما تخرج للإدلاء بأصواتها، فتأتي به في صناديق، تتحول مع الوقت إلي «نعوش» لها. لا تتحمل الشعوب وحدها المسئولية عن هذه الجرائم، فحكام مراحل ما بعد الوباء يتحملون المسئولية بقدر أكبر، عندما يترددون ويعزفون عن تطبيق قوانين عزل الماضي القبيح الموبوء بوجوهه وسياسته. لا تستحق الشعوب في مثل هذه الحال غير مشاعر الرثاء والحزن، لا الجلد والاتهامات الباطلة، لأنها في عوزها، وانخفاض وعيها، وانتشار أميتها، تفقد جزءا كبيرا من بصيرتها، فتسقط فى الجب، مرة بعد أخرى. يحلم المصريون بوطن نظيف، وجهه خال من تجاعيد الماضي، وشحوبه وبثوره ونتوءاته الشاذة، والتشوهات الناتجة عن علاقات «الحرام» بين السلطة ورجال المال، وهم يحتفظون بقانون فى «الثلاجة» يستطيع أن يحاصر الوباء قبل أن يعود، ولكن للأسف لا يفعلونه، ربما بسبب مشاعرهم المرهفة، التى لا تحتمل كلمة «الغدر»، وهو أمر يمكن التغلب عليه، بإطلاق كلمة «الهجر» تخفيفا بدل الغدر! في الختام.. يقول الخليفة عثمان بن عفان رضى الله عنه: «إن الله ليزغ بالسلطان ما لا يزغ بالقرآن». [email protected] لمزيد من مقالات محمد حسين