عادت موسكو لتؤكد ثوابت مواقفها من الازمة السورية على وقع تذبذب مواقف المجتمع الدولى ورخاوة جديته فى التعامل مع ارهاب «داعش»، فيما كشفت عن تحذيراتها من وجود الارهابيين بين جموع اللاجئين الذين يتدفقون على اوروبا، فى الوقت الذى اعلن فيه الكرملين عن ان الرئيس فلاديمير بوتين سيحدد فى خطابه المرتقب فى الاممالمتحدة اولويات العمل فى الفترة المقبلة تجاه مواجهة «داعش» ولمعالجة قضية تدفق اللاجئين باعتبارها نتيجة لمقدمات خاطئة الى جانب موقفه من شرعية العقوبات الدولية المفروضة ضد روسيا. موسكو تواصل تمسكها بما سبق واعلنته منذ بداية الازمة. كانت ولا تزال تتمسك بدعم نظام الرئيس السورى بشار الاسد ايمانا من ضرورة احترام الشرعية الدولية وانطلاقا من قراءة صحيحة لمفردات الواقع الراهن فى المنطقة، فى نفس الوقت الذى تدين فيه كل محاولات التدخل الخارجى وتسليح المعارضة التى تحول جزء منها الى «فصائل» متعاونة مع «داعش». ولعل ذلك ما دفع سيرجى لافروف يصف محاولات اغفال التعامل مع الحكومة السورية وعدم إشراكها فى الحرب ضد الارهاب بانها «هراء». وكان لافروف افرد فى حديثه الاخير للتليفزيون الروسى مساحة كبيرة لشرح ملابسات الموقف من خلال اتهام الغرب بالسقوط فى شرك المعايير المزدوجة، فيما حذر من مغبة اصرار «البعض» على ضرورة رحيل الرئيس السورى خشية تكرار ما شهدته ليبيا والعراق من احداث. وقال لافروف «إن الغرب يعترف بشرعية الأسد عندما يكون ذلك فى صالحه»، معيدا الى الاذهان اعترافه بشرعيته والتعامل معه حين كان الامر يتعلق بتصفية الأسلحة الكيماوية السورية وانضمام سوريا إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية، وهو ما سجلته قرارات مجلس الأمن الدولي. واعاد عميد الدبلوماسية الروسية إلى الأذهان ما سبق وجرى من محاولات من جانب «بعض الأنظمة فى المنطقة»، اسفرت عمليا عن تصاعد غير مسبوق للخطر الإرهابى وسمحت ل»داعش» بالتحول إلى ما يشهده العالم اليوم من تنام لهيكل الشر الذى يمثله تنظيم «داعش» على حد تعبيره. وأضاف الوزير الروسى أن جميع الشركاء الغربيين ودون استثناء يدركون جيدا ما هو الخطر الحقيقى فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مقرين بأن هذا الخطر ليس نظام بشار الأسد بل «داعش»، وأن موقف التحالف من التعاون مع دمشق يعد ضارا، الى جانب اعترافهم بضرورة تحديد الأولويات فى مكافحة الإرهاب. واضاف قوله «إذا كانت الأولوية تتعلق بمكافحة الإرهاب، فعلينا أن نترك الاعتبارات الظرفية مثل تغيير النظام فى سوريا جانبا». وعزا رفض بعض الدول للتعامل مع الاسد الى مخاوفها من فقدان هيبتها ومصداقيتها وهى التى طالما طالبت برحيله، وقال إن السياسيين حصروا أنفسهم فى زاوية ضيقة عندما قالوا انه «لا مكان لبشار الأسد فى مستقبل سوريا، نحن لن نجلس معه إلى طاولة واحدة ولن يجمعنا معه أى شيء مشترك «. وتواصل موسكو حملتها التنويرية السياسية من خلال ما كشف عنه دميترى بيسكوف الناطق الرسمى باسم الكرملين حول مخاوف بلاده وتحذيراتها من مغبة تسلل عناصر «داعش» الى جموع اللاجئين الذين يتدفقون على البلدان الاوروبية . وقال «إن هناك خطرا كبيرا يتعلق بمحاولات تسلل عناصر من «داعش» إلى أوروبا فى صفوف اللاجئين، وقد حاربوا فى الشرق الأوسط وتورطوا فى هجمات إرهابية وإعدامات، مؤكدا إن ذلك «خطر كبير جدا، ولا يمكن لأى دولة بما فى ذلك روسيا، أن تنجح لوحدها فى تأمين أراضيها من هذا الخطر». وقال بيسكوف: «كنا نتوقع أن تتحمل الدول المتورطة بالأحداث التى أدت إلى مثل هذه العواقب المأساوية فى دول المغرب والشرق الأوسط، الجزء الأكبر من النفقات المتعلقة باستقبال اللاجئين». وكان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين قد سبق وكشف عن إنه بحث مع نظيره الأمريكى هاتفيا إنشاء ائتلاف دولى لمكافحة الإرهاب والتطرف. وقال أنه ناقش نفس الموضوع مع الرئيس التركى والقيادة السعودية والعاهل الأردنى والرئيس عبد الفتاح السيسى وشركاء روسيا الآخرين. ومضى الرئيس الروسى ليقول فى معرض تصريحات ادلى بها على هامش المنتدى الاقتصادى الدولى فى فلاديفوستوك «نريد فعلا إيجاد نوع من الائتلاف الدولى لمكافحة الإرهاب والتطرف… ولهذا الغرض نجرى مشاورات مع شركائنا الأمريكيين. وكشف عن انه تناول هذه القضايا مع الرئيس الأمريكى باراك أوباما. وجدير بالذكر ان موسكو لا تخفى إمدادها للنظام السورى بالاسلحة والتقنيات العسكرية وهى التى كانت ولا تزال تبرر مواقفها بامرين رئيسين: اولهما ان ذلك يتم فى اطار مساعدة سوريا على مواجهة الارهاب فى اطار القوانين والمواثيق الدولية وبموجب اتفاقيات سابقة، وثانيهما انها لم تتورط فى ارسال قوات عسكرية وان ما يوجد من عسكريين روس فى سوريا يظل فى حدود الخبراء العسكريين الذين يتولون مهام التدريب وعملية استيعاب العسكريين السوريين لما يرد إليهم من اسلحة وتقنيات عصرية بموقب الاتفاقيات الثنائية المعقودة بين البلدين. اما عن دعم موسكو للرئيس السورى بشار الاسد الذى لم تعد تخفى اسرارها على بقائه ، فانه يعود الى قناعتها بأن رحيله الآن لن يسفر سوى عن سقوط السلطة فى ايدى ارهابيى «داعش» وتكرار ما سبق وشهدته ليبيا والعراق. وكان عدد من الخبراء فى الساحة السياسية الروسية قد خلصوا فى تحليلاتهم الى ان الرئيس السورى الى جانب انه يمثل السلطة الشرعية فى البلاد، فإنه يظل ضمانا لامن ووجود خمس طوائف على الاقل ومنها العلويون والمسيحيون والدروز والمسلمون الشيعة والجزء الاعظم من ابناء الطائفة الارمنية ممن يربطون مصيرهم بالبقاء فى سوريا. اما عن المطالب التى يواصل البعض طرحها حول ضرورة رحيل الرئيس السورى «سلميا او عسكريا»، فتقول موسكو ان ذلك امر يخص الشعب السورى ولا احد غيره يملك حق طرح مثل هذه المسائل التى تقف على طرفى نقيض مع ميثاق الاممالمتحدة. من هذا المنظور يبدو الدور الروسى اكثر المواقف منطقية وعقلانية ما قد يفسر توافد فصائل المعارضة تباعا الى موسكو بما فيها المتعاونة مع واشنطن وعدد من الانظمة العربية والتى تظل تماطل وتسوف فى اتخاذ القرار الذى تنتظره موسكو من اجل اطلاق عملية «جنيف-3» واستئناف الحوار بين المعارضة والحكومة السورية. وكان اللقاء الثلاثى الذى جمع وزراء خارجية روسيا والولايات المتحدة والعربية السعودية فى الدوحة خلص الى ضرورة ان تتعهد كل من البلدان الثلاثة بوضع قائمة باسماء المشاركين المدعوين للمشاركة فى الحوار المرتقب. وكشفت موسكو عن قائمتها التى تتضمن 38 اسما، بينا لا يزال الطرفان الاخران «يتلكآن» فى وضع قائمتيهما رغم تصاعد التوتر وتزايد الاخطار التى تعدت حدود بلدان المنطقة لتطول العديد من البلدان الاوروبية من جانب «داعش» وبما يتفق مع مخططها حول اقامة الخلافة الاسلامية من باكستان حتى البرتغال. وفى هذا الصدد تطالب موسكو بالمزيد من الاجراءات والقرارات التى يجب ان تتعدى مجرد استخدام القوة العسكرية وضرورة ادراك ان النضال ضد داعش سوف يستمر طويلا ما يدعو الى التفكير فى اساليب غير تقليدية والاهتمام بالجوانب العقائدية والايديولوجية بما فى ذلك الاهتمام بالبرامج التعليمية وضرورة البحث عن سبل جديدة للابتعاد بالشباب عن دائرة نفوذ وتاثير تنظيمات «داعش» ومخططاتها الرامية الى تجنيد اكبر عدد من شباب البلدان الاسلامية بل والاوروبية. وتمضى موسكو الى ما هو ابعد حين تدق اجراس الخطر وتعلن عن تحذيراتها من مغبة التغاضى عن مصادر تمويل هذا التنظيم الارهابى الذى لم يعد سرا انه يعتمد على التجارة غير المشروعة للمخدرات وتهريب النفط ومشتقاته وبيعها باسعار زهيدة الى الدول المجاورة ، رغم ما يقال حول مشاركة عدد من هذه الدول فى الائتلاف المعادى للارهاب الذى اعلنت واشنطن عن تشكيله وتقول انه صار يضم اليوم زهاء ما يزيد على ستين دولة اوروبية وعربية واسيوية.