فجًر وزير الخارجية السعودى عادل الجبير فى موسكو ما هو اشبه بالمفاجأة باعلانه اصرار بلاده على رحيل الرئيس السورى بشار الاسد، وعدم قبول المشاركة فى "الائتلاف" المضاد لتنظيم الدولة الاسلامية - "داعش"، وهو ما دفع سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسية الى التحذير من مغبة مثل هذا الموقف مؤكدا ان ذلك قد يؤدى الى استيلاء "داعش" على السلطة فى سوريا، وإن عاد وأكد مع نظيره السعودى تاكيد اتساع مساحات الاتفاق حول معظم القضايا التى ناقشاها خلال اول زيارة يقوم بها الوزير السعودى للعاصمة موسكو . ورغم حرص الوزير لافروف فى مستهل مباحثاته مع ضيفه السعودى وكذلك فى المؤتمر الصحفى الذى عقداه فى ختام مباحثاتهما فى موسكو على الابتعاد عن ابراز النقاط الخلافية بين البلدين والتركيز على الايجابيات ونقاط الاتفاق تجاه بقية جدول الاعمال ومنها ما يتعلق بالعلاقات الثنائية وعدد من اهم القضايا الدولية والاقليمية فقد بدت الخلافات واضحة حول امرين بالغى الاهمية. فبينما اغفل لافروف فى البداية التطرق الى الخلاف حول مستقبل الرئيس الاسد، بدا حرص الضيف السعودى واضحا على اماطة اللثام وازالة اللبس تجاه هذه القضية من منظور ان السعودية لم تغير موقفها تجاه الاصرار على رحيل الاسد، وانه لا مكان له فى مستقبل سوريا . ومن هذا المنظور لم ينتظر الوزير السعودى سؤالا من اى من الصحفيين المشاركين فى المؤتمر الصحفى ليعلن فى كلمته فى بداية الؤتمر الصحفى عن ذلك صراحة مؤكدا ان المواقف السعودية تجاه الازمة السورية لم تتغير. قالها مُباشِرة: "ان بشار الاسد جزء من المشكلة وليس جزءا من الحل"، وطالب برحيله عبر عملية سلمية افضل من ارغامه على الرحيل عبر عملية عسكرية يراق فيها المزيد من الدماء، وبعد ان فقد شرعيته وتسبب فى مقتل 300 ألف وتشريد ما يزيد على 12 مليونا من السوريين. ولم يكن الوزير الروسى ليلتزم الصمت تجاه مثل هذا الاعلان الذى يقف على طرفى نقيض من مواقف بلاده ومما سبق واعلنته موسكو اكثر من مرة ومن كونه يتناقض مع اعلان "جنيف -1" الذى اتفقت عليه مع الولاياتالمتحدة والمشاركين فى لقاء جنيف فى 30 يونيو 2012. ولذا فقد انطلق ليحذر ايضا صراحة من مغبة مثل هذا التوجه، مشيرا الى مخططات داعش التى تقول بان رحيل الاسد لن يسفر سوى عن وصول "داعش" والمنظمات الارهابية الى السلطة فى دمشق معيدا الى الاذهان ما سبق وواجهته العراق وليبيا ، فيما اشار الى وجود الخرائط التى تشير الى طموحات تنظيم "الدولة الاسلامية" فى السيطرة على المناطق من باكستان حتى اسبانيا، واكد خطورتها على البلدان المجاورة بما فيها السعودية. وقال لافروف بضرورة الالتزام باعلان "جنيف-1" الذى اقره مجلس الامن فى قرار دولى ملزم لكل الاطراف . وحذر لافروف من مثل هذا السيناريو بقوله : "لا أريد أن يأمل بلد ما من البلدان ذات التأثير، والتى تورطت فى أحداث الأزمة السورية، فى أنه يمكن حل مشكلة بقاء بشار الأسد بالطرق العسكرية، لأن النتيجة الوحيدة التى يمكن ان تسفر عنها العملية العسكرية هى استيلاء تنظيم "الدولة الإسلامية" والإرهابيين الآخرين على السلطة فى سوريا. ولا أظن أن أحدا ما يريد ذلك". وعاد الى تأكيد ضرورة ان يقرر السوريون مصيرهم بانفسهم معربا عن امله فى أن تستخدم الدول الأجنبية المعنية بحل الأزمة السورية نفوذها لتوحيد صفوف القوى المناهضة للارهاب فى أراضى سورياوالعراق". ومضى لافروف ليؤكد " أنه جرى تحقيق بعض النتائج الأولية فيما يتعلق بمبادرة الرئيس بوتين الخاصة بإنشاء هذا التحالف الاقليمى لمحاربة "داعش"، مشيرا الى يقينه من "أن المبادرة سوف تجد طريقها مجددا الى بساط البحث على ضوء ما تحقق من نتائج أولية محددة". وأضاف قوله: "لدينا مواقف متطابقة من ضرورة توحيد الجهود فى مكافحة الخطر الذى يهدد الجميع والمتمثل فى تنظيم "داعش" وجماعات إرهابية أخرى. إنه خطر واقعى على روسيا وعلى المملكة العربية السعودية ودول أخرى فى المنطقة وخارجها". وكان لافروف كشف ايضا عن ان موسكو سوف تستقبل عددا من ممثلى فصائل المعارضة على "اساس انفرادي" وليس فى اطار مشاورات مشتركة على غرار ما جرى فى موسكو فى يناير وابريل الماضيين، ومن هؤلاء خالد خوجة رئيس الائتلاف الوطنى ، وصالح مسلم "رئيس حزب الاتحاد الديموقراطى"، وهيثم مناع ممثل لجنة المتابعة لمؤتمر "القاهرة-2". واستطرد لافروف ليقول أن "روسيا والسعودية نسقتا الخطوات العملية لاستئناف هذا الحوار السورى - السوري، مؤكدا أن المناقشات التى تجريها موسكو مع أطياف المعارضة السورية تصب فى المجرى المشترك الذى يجري تنسيقه مع الرياض والأطراف الدولية الأخرى. على ان الاتفاق بين الجانبين بدا لاحقا ورغما عن ذلك، واضحا جليا تجاه بقية مجالات التعاون، وهو ما قاله لافروف تعليقا على تصريحات نظيره السعودى بهذا الشأن "انه يوقع بالموافقة عليها". وكان وزير الخارجية السعودية قال ان بلاده حريصة على التعاون مع روسيا فى مختلف المجالات بما فيها العسكرية والسياسية وكذلك مجالات التعاون السلمى فى مجال الطاقة النووية والزراعة والاستثمارات. وكشف الجبير عن تاكيد بلاده على ضرورة تفعيل ما جرى توقيعه من اتفاقيات خلال زيارة ولى ولى العهد الامير محمد بن سلمان فى يونيو الماضى لسان بطرسبورج، مشيرا الى انه سوف يتم توقيع اتفاقيات اخرى، وان التعاون العسكرى يشمل مناقشة تزويد السعودية بمختلف الاسلحة العصرية الروسية بما فيها منظومات "اسكندر" الصاروخية فى اطار ما ترى بلاده انه متميز. ومن المقرر ان تتواصل فى موسكو اللقاءات التى كان لافروف اشار اليها فى اطار تواصل موسكو مع كل الاطراف المعنية. وبهذا الصدد كشفت وزارة الخارجية الروسية ان ميخائيل بوغدانوف المبعوث الخاص للرئيس الروسى لشئون الشرق الاوسط وبلدان افريقيا نائب وزير الخارجية التقى أمس الأول قدرى جميل ممثل جبهة التغيير والتحرير السورية المعارضة.وجاء فى البيان الصادر عن الخارجية الروسية انه تم خلال اللقاء تبادل للاراء بصدد افاق تسوية الازمة فى سوريا عبر حوار سورى سورى واسع على أساس احكام بيان جنيف واضاف البيان الروسى انه جرى على ضوء ذلك بحث مسألة تفعيل عمل المجموعة المختصة بمتابعة تنفيذ قرارات لقاء ممثلى المعارضة السورية فى ساحة موسكو الذين وقعوا فى السابع من إبريل 2012 نداء الى الأمين العام للامم المتحدة بان كى مون " . وكان بوجدانوف قد سبق واعلن عن استعداد موسكو لاستضافة ما يسمى ب"موسكو-3" للمزيد من المشاورات ، مؤكدا ان الارضية القانونية المقبولة تظل شانها فى السابق اعلان جنيف-1 الصادر فى يونيو 2012 بكل ما يترتب عليه من اجراءات لا ينص اى منها على رحيل الاسد على اعتبار ان هذه المسألة تظل رهن الارداة السياسية للاطراف السورية بعيدا عن اى تدخل خارجي. ويبقى ان نضيف ان الجانبين الروسى والسعودى اعلنا ايضا عن الاتفاق فى الرأى تجاه حل الازمة اليمنية وضرورة الوقف الفورى للعمليات القتالية والتحول نحو الحل السلمى تحت رعاية المبعوث الاممى عبر وساطة اسماعيل شيخ احمد استنادا الى قرار مجلس الامن 2216، الى جانب ضرورة تضافر القوى من اجل التوصل الى حلول عاجلة للاوضاع فى ليبيا والعراق وازالة العراقيل على طريق تحقيق التسوية الشرق اوسطية استنادا الى مبادرة السلام العربية والقرارات الدولية ذات الصلة وجهود الرباعى الدولى والجامعة العربية.