أجابت دار الإفتاء المصرية، قائلة: إن السفر لزيارة النبى من أفضل الأعمال، وأجل القربات الموصلة إلى ذى الجلال، ومشروعيتها محل إجماع بين علماء الأمة، وقد حكى الإجماع على ذلك القاضى عياض والحافظ ابن حجر العسقلانى وغيرهم. ومما يدل على مشروعية الزيارة النبوية-بما فى ذلك السفر إليها- قولُه تعالى: «وَلَوۡأَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ فَ0سۡتَغۡفَرُوا 0للَّهَ وَ0سۡتَغۡفَرَ لَهُمُ 0لرَّسُولُ لَوَجَدُواْ 0للَّهَ تَوَّابٗا رَّحِيمٗا» [النساء: 64]. فهذه الآية عامة تشمل حالة الحياة وحالة الوفاة، وتشمل كذلك السفر وعدمه، وتخصيصها بحالة دون غيرها تخصيص بلا مخصص، فلا يُقبل. والسفر للزيارة النبوية أمر مشروع بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، والقول بمنع ذلك قول باطل، لا يُعَوَّلُ عليه، ولا يُلْتَفَتُ إليه. والذهاب إلى المدينة قد يكون قبل الحج أو بعده، وزيارة المدينة سنة للصلاة فى المسجد النبوى، حيث يضاعف ثواب الصلاة فيه إلى ألف صلاة إلا المسجد الحرام فإنها بمائة ألف صلاة، ولزيارة قبر النبى (صلى الله عليه وسلم)التى قال بعض المالكية بوجوبها، وقال الحنفية إنها قريبة من الواجب، وعند دخولها يستحب الصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ثم التطهر ودخول المسجد، ويقصد الروضة الشريفة لتحية المسجد بركعتين، ثم يزور القبرالشريف ويسلم على النبى (صلى الله عليه وسلم) بأدب ويبلغ من سلام من امنه ذلك، وعلى صاحبيه أبى بكر وعمر رضى الله عنهما، ونبغى زيارة الأماكن المعروفة بالمدينة للعبرة والتذكر والقربى، مثل مسجد قباء ويصلى ركعتين كما كان يفعل النبى فى كل يوم سبت حيث إنها تعدل عمرة، كما جاء فى الحديث الصحيح، وتسن زيارة البقيع، وشهداء أحد، ومسجد الغمامة الذى كان يصلى فيه النبى عليه الصلاة والسلام صلاة العيد، ومسجد الفتح حيث موقعة الأحزاب التى انتصر فيها المسلمون على الأحزاب، مع المحافظة على أداء الصلوات المفروضة فى المسجد النبوى، وقبل مغادرة المدينة يستحب توديع المسجد النبوى بصلاة ركعتين فيه، والسلام على النبى (صلى الله عليه وسلم) وصاحبيه والدعاء بألا يجعل هذه الزيارة آخر العهد به. وقد ورد فى الزيارة النبوية وإفرادها بالقصد أحاديث كثيرة: منها حديث ابن عمر-رضى الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من زار قبرى وجبت له شفاعتي»، رواه ابن خزيمة فى صحيحه، والبزار والدارقطني، وفى رواية: «من جاءنى زائرًا لا تحمله حاجةٌ إلا زيارتي- كان حقًّا عليَّ أن أكون شفيعًا له يوم القيامة» رواه الطبرانى والدارقطني، وفى رواية: «من زار قبرى بعد موتى كان كمن زارنى فى حياتي»، رواه الطبراني، وهى أحاديث لها طرق كثيرة يقوى بعضها بعضًا، وصححها كثير من الحفاظ، كابن خزيمة، وابن السكن، والقاضى عياض، والتقى السبكي، والعراقي، وغيرهم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم فى حديث الصحيحين عن أبى سعيد الخدري: «لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِى هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الأقْصَى»، فإنما معناه: لا تشد الرحال إلى مسجد-لأجل تعظيمه والتقرب بالصلاة فيه - إلا إلى المساجد الثلاثة؛ لتعظيمها بالصلاة فيها.