لم يحزن عندما وجد نفسه ضعيف البصر بين ثلاثة أشقاء مكفوفين، ولم يتسرب اليأس إلى نفسه بسبب «معايرة» زملائه لأنه لا يرى المكتوب على السبورة، ولكنه حزن كثيرا عندما أجتهد وتفوق وكان ترتيبه الرابع على القسم فى كلية التربية النوعية ولم تعين الكلية إلا 3 معيدين فقط، وتضاعف حزنه بعدما رفض من أغلب المدارس التى تقدم للعمل بها بسبب أنه «كفيف» حتى استسلم للأمر الواقع وعمل فى النهاية بمدرسة للمعاقين ذهنياً.. قصة سمير منير ليست مأساة يعانيها شخص، بل مشكلة جميع المكفوفين فى مصر. يقول سمير منير: ولدتُ ضعيف البصر في أسرة بسيطة, ضمن ثلاثة أخوة مكفوفين, وبالرغم من بساطة الوالد إلا انه لم يكل فى عرضي على الأطباء للبحث عن العلاج، وكان رد كل الأطباء أن الحالة وراثية ولا يوجد علاج, لأن التهاب الشبكي التلوني يعمل على تآكل الشبكية مع الوقت حتى يذهب النظر تماماً، وعندما تجاوز عمرى السادسة التحقت بمدرسة مصطفى كامل الابتدائية بوراق الحضر فى الجيزة, لقربها من المنزل، وكانت أسرتى توصى المعلمين أن يضعوني في الصف الأول بسبب ضعف نظرى، ولا أتذكر أن المدرسين وضعونى في الصف الأول، بل كنت أجلس دائما في الصف الرابع أو الخامس, وفي ظل وجود معلمين غير مؤهلين للتعامل مع حالات خاصة كنت أعانى كثيراً, وكنت استمع لكلمات «المعايرة» من الطلاب والمعلمين أيضا, استطعت أن أكمل في التعليم العام حتى نهاية المرحلة الابتدائية، بعدها عرفنا ان هناك مدارس لضعاف البصر, بالفعل قدمت في مدرسة المحافظة على البصر بشبرا والتحقت بها خلال المرحلة الإعدادية والثانوية العامة, وفي مدرسة المحافظة على البصر كنت مثل اقراني وكانت حالتي النفسية رائعة, مارست النشاط الموسيقي في المدرسة وشجعني كثيراً استاذي ممدوح فنجري, حصلت على الثانوية العامة بمجموع تجاوز 80%. وكان المتوقع أن التحق بأحد الأقسام النظرية بكلية الآداب مثلما فعل معظم اصدقائي, لكنني قررت أن ادرس شيئا أحبه فذهبت لكلية التربية النوعية وقمت بعمل اختبار القدرات ونجحت فيه, وعارضت أسرتى دخولي كلية التربية النوعية قسم «الموسيقي» وخصوصاً أنها كانت تأخذ مجموعا صغيرا لا يتجاوز 60 %, لكن صممت ودخلت الكلية، وكنت الطالب الوحيد بالدفعة من المكفوفين وكان هذا دافعا للتفوق، وبالفعل تخرجت في الكلية بتقدير امتياز وكنت ثاني الدفعة, وبذالك حصلت على درجة البكالوريوس بتقدير عام جيد جداً مع مرتبة الشرف وكان ترتيبي الرابع على الكلية. التحديات الحقيقية ويضيف: هنا بدأت التحديات الحقيقية, توقعت أن يتم تعييني في الكلية معيداً وخصوصاً أنها وعدت بتعيين أول خمسة فى الكلية، ولكنها اكتفت بتعيين أول ثلاثة فقط! كنت انتظر من الدولة أن تقف بجانبي, فانا بذلت كل الجهد لدرجة أنني دخلت الكلية ضعيف البصر وخرجت فيها كفيفا، لكن الحياة يجب أن تستمر، يستطيع الإنسان التفوق في أماكن متعددة ليست بالضرورة الجامعة . كنت اسمع أن الدولة تقوم بتعيين الأوائل ولكن كانت المفاجأة فحصلت على البكالوريوس عام 2005 وكانت الدولة قد أوقفت ليس فقط تعيين الأوائل بل كل التعيينات، وحاولت التقدم للمدارس الخاصة، ولكن جميع المحاولات فشلت بسبب أنى كفيف البصر، وفي نهاية عام 2005 أعلنت الدولة عن التعاقد المؤقت مع مدرسين لسد العجز وكنت لا أجد حلا آخر بعد أن أغلقت كل الأبواب أمامي، فالكلية لا تريد تعيين أكثر من ثلاثة والأقاليم اكتفت بخريجيها والمدارس الخاصة لا تنفصل عن النظرة العنصرية ضد المكفوفين، بالفعل تقدمت لشغل وظيفة مدرس تربية موسيقية بالتعاقد في الإدارة التي توجد بها مدرستي التي تخرجت فيها إدارة الساحل التعليمية بالقاهرة وعند ذهابي للموجة الأولى لتوزيعي على أحد المدارس طلبت منها أن اعمل بمدرسة المحافظة على البصر حيث تتناسب معي, بالفعل تفهمت الموجهة الأمر، وكنت سأذهب للمدرسة ولا اعلم ماذا حدث وتوقف الأمر ربما أيضا حتى المدرسة التي تعلمت فيها تحمل نفس النظرة العنصرية للكفيف، لا اعلم وخصوصاً أنني عندما ذهبت للعمل لم يكن نظري مثلما كنت طالباً بالمدرسة. المعاقون ذهنياً ويكمل: اقترحت الموجهة أن أذهب لمدرسة تسمى التربية الفكرية تتعامل مع المعاقين ذهنيا, ماذا كنت أستطيع عمله سوى الموافقة على أي شيء. بالفعل استلمت عملي بالمدرسة في 8 فبراير 2006، وبات عندي تحد كبير للنجاح في العمل بالرغم من أنني كنت مقتنعاً أن هذا المكان لا يتناسب معي في اي حال من الأحوال, ولقد وجدت أن هذه الفئة تحتاج لملاحظة كبيرة ودقيقة وأن التعامل مع هؤلاء الأطفال هو تعامل فردي وليس جماعيا, بعد انتهاء أول عام لي في المدرسة وبعد أن قمت بالعمل بشكل جيد بشهادة رؤسائي فكرت فى الانتقال لمدرسة المحافظة على البصر, صحيح حققت نجاحا مع المعاقين ذهنياً، لكن طوال الوقت اشعر أن العمل معهم لا يتناسب مع كف بصري, فأنا لا أرفض العمل معهم، بالعكس أحببتهم جداً وخصوصاً أنهم يتمتعون ببراءة كبيرة، ولا يعرفون سوى الحب اقل شيء يفرح قلوبهم، انه عالم نقي للغاية.. ولكن هل يتناسب هذا العمل مع إعاقتي? فمن الممكن أن يصدر أى طفل منهم فعل غير متوقع في أي وقت، مثل أن يقفز أحدهم على الكرسي، أو ينظر من الشباك، ماذا افعل معه في هذا الموقف وأنا لا استطيع رؤيته، فأنا اسمعه فقط، ماذا افعل إذا ضرب طالب زميله وأنا لا أعرف من الذي ضرب الأخر ومن الذي بدأ؟، للأسف كثافة الفصول كبيرة وتصل إلى 20 تلميذاً، ماذا افعل معهم وهم يحتاجون لملاحظة خاصة وأنا فقط اسمعهم ولا أراهم. ويختتم سمير حديثه قائلا: أيها القائمون على التربية الخاصة بوزارة التربية والتعليم، هل الأنسب أن يعمل معلماً كفيفاً مع المكفوفين، أم مع المعاقين ذهنياً? ننتظر الإجابة!.