تابعنا على مدى الشهور الماضية ندوات ومؤتمرات، هنا وهناك حول فكرة تجديد الخطاب الديني غلبت عليها الارتجالية والعجلة، ثم انفضت دون أن تسفر عن شىء، وبقيت بياناتها الختامية وتوصياتها حبيسة الأدراج دون أن نرى لها أثرا ملموسا على أرض الواقع. ورغم تكرار النداءات فان قطار التجديد لم يغادر محطته الأولى، فلا تمت تنقية التراث ولا أنجز تجديد الخطاب، ولا انتهى الفكر التكفيري الذي يستحل الدماء والأموال والكذب والنفاق وغيره بدعوى أنها في سبيل الله. علماء الدين يؤكدون أن تطوير الخطاب الديني يحتاج إلى تكاتف جميع مؤسسات الدولة على مختلف مسمياتها، كما يطالبون بتجديد البناء والدماء والمؤسسات والأطروحات، وإعادة بناء المسلم المعاصر فكرا ووجدانا ليكون مشاركا فاعلا في عملية التجديد. ويحملون المؤسسات المعنية التي غاب التنسيق بينها مسئولية عدم صياغة خطاب ديني يتماشى مع متطلبات العصر ويشجع التنمية والبناء ويناهض الفكر المتطرف والمتعصب وينشر تعليمًا وفكرًا معاصرًا، ويخرج بالعقول والأفهام من من ضيق الكتب التراثية ليحلق في عالم الواقع الذي يعيشه الناس. ويقول الدكتور بكر زكي عوض، عميد كلية أصول الدين سابقاً، إنه لا يتأتى تفعيل دور المؤسسات الدينية إلا إذا كان القائمون على أمرها والعاملون بها، أهلا للقيام بهذه المهمة، فإذا كانت الأكثرية تقليدية بفكرها، ووقف دورها عند حد الأداء دون إعمال العقل أو تحريك الفكر فكيف يرجى من هؤلاء أن يقوموا بتجديد الخطاب الديني، إن الأصل أن تكون لديهم القدرة على فهم النصوص فهما عصريا يتناسب مع الزمان والمكان وواقع الحال حتى يتأتى الطرح الديني الذي نتطلع إليه جميعا. وأضاف، إن المؤسسات الدينية تنظر إلى كل مفكر على أنه تارك للجماعة مارق عن تقليد المجتمع، وبهذا خاف كثيرون من طرح القضايا برؤية عصرية حتى لا يتهموا في دينهم أو فكرهم، كما أن الذين رشحوا من قبل المؤسسات الدينية للحديث عن الدين أو المؤسسة أغلبهم من النصيين جملة وتفصيلا، وأما الذين لديهم القدرة على طرح الإسلام برؤية عصرية، فهم مستبعدون من هذه الميادين. ويضيف، إن العمل والأداء كان دون المستوى بسبب التالي، لأن تجديد الخطاب الديني يتطلب ثلاثة أمور، الأول، المادة العلمية الصحيحة المتفقة مع روح الإسلام وسماحته، الثاني، الوعاء الذي توضع فيه هذه المادة فهو العقل الإنساني، الثالث، صيغة الخطاب الذي سيطرح به الموضوع محل التناول، هذه الجوانب الثلاثة غير متوافرة الآن فيمن يقدمون على هذا. حرية الكلمة ويرى الدكتور بكر زكي عوض أن ما يجب أن تقوم به المؤسسات الدينية لتنفيذ توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، هو التمكين للمستنيرين في كل وسائل الإعلام من إبداء الرأي مع تأمين حرية الكلمة واستبعاد كل المتزمتين، بالإضافة إلى حجب غير المتخصصين من التصدي للمسيرة الدعوية، والنظر في مشاكلنا الحالية وطرح الحلول الإسلامية لها، وعقد مؤتمرات أو ندوات أسبوعية تنقل على القناة الأولى لمدة ساعتين، ويتم تحرير المفاهيم المغلوطة في ندوات أسبوعية يتم من خلالها إيضاح المعنى الحقيقي لكل مصطلح ساء استخدامه، بحيث نحرر عقول الشباب من المفاهيم المغلوطة التي أثرت عليهم من قبل التيارات الإسلامية المختلفة في الوقت الذي غاب الأزهر فيه عن القيام بمهمته. فكر إسلامي من جانبه يقول الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن التجديد الديني يحتاج إلى أن يكون هذا التجديد على أبعاد مختلفة، تتناول تنقية كتب التراث من الآراء التي لا تتفق مع المتفق عليه من أقوال العلماء، وأن تقدم رؤية تتعامل بطريقة فعالة مع الأوضاع التي ألمت بالوطن والأمة مع ركام المشاكل الذي نواجهه في المشهد الراهن، وأن الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني لا تقتصر فقط على الخطاب وإنما على الفكر الإسلامي برمته، بحيث تبرز الجانب الحضاري المغيب في الفكر الإسلامي المعاصر، وهو ما يجدر بالمؤسسة الدينية وعلى رأسها الأزهر الشريف، وبقية المؤسسات الأخرى، أن تخطو خطوات محددة نحو هذا التجديد لإصلاح مسيرة الفكر. وأضاف: إن هذا لا يتأتي إلا من خلال فعاليات أهمها إعداد الكوادر من العلماء القادرين على هذا التجديد والمنتمين إلى فكر الإسلام الوسطي من خلال رصد الأفكار والشبهات التي يطرحها المشككون في عملية التجديد، أو أنصار الجماعات المتأسلمة، وهو ما بدأ العمل فيه من خلال رصد الفتاوى التي تصدرها أنصار هذه الجماعات لكن ينبغي أن يتم ذلك على عجل وأن تقدم الإجابات المقنعة على مسألة اجتزاء النصوص وإخراجها عن سياقها. الخبرة والدراية وفي سياق متصل طالب الدكتور أحمد كريمة، الأستاذ بجامعة الأزهر، بوضع حد للاستجابة لتجديد الخطاب الديني وأن يكون هناك نفير من كل المؤسسات الدينية على أساس أهل الخبرة وليس أهل الثقة الذين تسببوا في تأخر الاستجابة لتجديد الخطاب الديني. إعلاء المصلحة العامة وأضاف: إن حالة الانقسام بين المؤسسات المنوطة بتطوير الخطاب الديني، باتت واضحة للجميع، فكل منهم في واد والخطاب في واد آخر حية هناك تنازع وانقسام ما بين الأوقاف الشق الدعوي والأزهر الشق التعليمي وجامعة الأزهر موزعة بين الأزهر والأوقاف، و بالتالي فإن وجود هذا الانقسام لا يؤدي إلى نتائج إيجابية بل يزيد الفجوة اتساعاً، وطالب كريمة بضرورة التكامل وإعلاء المصلحة العامة علي الشخصية للخروج بالوطن إلي بر الأمان والاستعانة بالخبراء ومستشاري العلوم الشرعية والعربية وعدم تهميش كلية الدعوة وتفعيل دورها وكذلك كلية التربية التي هي أساس وضع الخطط وتفعيل كلية الإعلام والصحافة للاستفادة بهم في الإعلام.