أشعلت صور الطفل السوري، الذى يبلغ من العمر ثلاث سنوات ممددا غريقا ميتا بحذائه وملابسه الصغيرة كاملة على شواطئ السواحل التركية، موجات إنسانية من الغضب بين الدوائر المختلفة فى الرأى العام العالمى .. فقد ظهرت جثة الطفل الصغير الذى يرتدى قميصا أحمر وسروالا قصيرا أزرق وهو ملقى على وجهه وسط رغوة الأمواج المتكسرة على شاطئ يقع قرب شاطئ أحد المنتجعات التركية الشهيرة. واحتلت صور ذلك الملاك الغريق الصفحات الأولى لكبريات الصحف العالمية، وطغت بشكل مثير ومؤثر على صفحات جميع وسائط التواصل الاجتماعى الإلكتروني، الأمر الذى ترجم عن صدمة، إنسانية عارمة، حيث تمثلت تلك الصور الدرامية فى أذهان كل أب وكل أم وكل أخ وكل أخت بصرف النظر عن الجنسية أو الدين أو اللون.. و بعد تداول الصورة على نطاق واسع، شهد موقع تويتر الالكترونى انتشارا هائلا لهاشتاج «الإنسانية تُلفظ على الشاطئ» لقد بلغت مأساة اللاجئين السوريين حدا لا يمكن السكوت عليه، وقد أبرزت صورة الملاك السورى الملقى غريقا على الشواطئ التركية وبشكل مأساوي، الفشل الذريع المشين للمجتمع الدولى في التعامل مع الأزمة السورية.. إن مأساة الملاك السورى الغريق هى بمثابة إنذار لزعماء العالم، وصيحة محذرة أن السيل قد بلغ الزبي، وأن التاريخ الإنسانى سيسجل بمداد العار أننا كلنا وقفنا نتابع مأساة ما يقرب من أربعة ملايين لاجئ سورى ببلاهة وسلبية مشينة. ووفقا لتقارير الأممالمتحدة الصادرة فى أغسطس الماضى فقد بلغ عدد النازحين الفارين من نيران الحرب المجنونة التى تدور رحاها منذ عام 2011. فى الأراضى السورية ما يقرب من أربعة ملايين وخمسة وعشرين ألف نازح، بينهم مليون هربوا من سوريا خلال الاشهر العشرة الاخيرة وحدها ..والمؤلم أن 52% منهم من الأطفال دون سن السابعة عشرة. ويضاف إلى ذلك أن عموم السكان فى سوريا يعانون من تأثيرات الحرب الداخلية والنزاع المسلح وارتفاع نسبة الجريمة والتطرف والتعصب والعنف، ولا سيما إزاء المجموعات الثقافية الدينية والإثنية. لقد وصف أنطونيو غوتيريس المفوض الأعلى للاجئين فى بيان رسمى صادر من الفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ما يتعرض له اللاجئون السوريون بقوله: «أصبحت مأساة هذا العصر الكبري، هى كارثة إنسانية مشينة مع ما يواكبها من معاناة وعمليات تهجير لم يشهدها التاريخ الحديث» وأن ما يجرى هو « أكبر مجموعة من اللاجئين جراء نزاع واحد خلال جيل». وأوضحت المفوضية أنه مع نهاية العام الحالى 2015. يضاف اليهم نحو 7.6 مليون نازح داخل سوريا يعيشون فى ظروف مروعة وفى فقر متزايد». وأوضحت المفوضية ان القسم الأكبر من اللاجئين السوريين يقيم فى دول الجوار، مشيرة إلى انه بعد الموجة الجديدة من اللاجئين السوريين الذين وصلوا إلى تركيا فان عدد اللاجئين الإجمالى بات يتخطى 4 ملايين و13 الف شخص، نحو نصفهم تقريبا فى تركيا. وبحسب أرقام المفوضية، فان السوريين يشكلون ثلث المهاجرين ال137 ألفا الذين عبروا المتوسط قاصدين أوروبا فى النصف الاول من 2015.، مجازفين فى غالب الأحيان بحياتهم فى زوارق متداعية تحت رحمة تجار الأرواح البشرية، وأن الظروف المتفاقمة فى سوريا تدفع أعدادا متزايدة للتوجه إلى أوروبا أو إلى دول اخري.. ومع تفاقم النزاع فى سوريا الذى دخل عامه الخامس دون أن تلوح أى بادرة حل فى الأفق، حذرت الوكالة بأن اللاجئين والنازحين فى المنطقة يفقدون كل يوم الأمل فى العودة إلى بلادهم. ويبقى أن المسئولية فى المقام الأول هى مسئولية العرب والمسلمين، حكومات وشعوبا، ومن غير المقبول أو المعقول أن ندع اللاجئين والنازحين السوريين يواجهون كل ذلك اليأس وكل تلك المعاناة، ولا يمكن أن ننتظر حتى يكون مصير الملاك السورى الغريق هو مصير الشعب السورى كله.