محافظة الجيزة تكشف أسباب انقطاع المياه والكهرباء عن بعض المناطق    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الأحد    وزير الري يتابع أعمال إزالة الحشائش وورد النيل والتعديات على مجرى نهر النيل    محافظ أسيوط يتفقد أعمال إنشاء أول مصنع متكامل لمنتجات الرمان بالبداري    وزير التموين ومحافظ القاهرة يفتتحان سوق اليوم الواحد بمنطقة الجمالية    اتحاد شركات التأمين يوصي بتكثيف الجهود لتطوير المنتجات الخضراء وتعزيز الاستدامة    حماس: إنزال المساعدات جوا بغزة خطوة شكلية ومخادعة لتبييض صورة إسرائيل أمام العالم    فيديو.. متحدث الخارجية: إعلان ماكرون اعتزامه الاعتراف بفلسطين حدث تاريخي بكل المقاييس    مصرع وإصابة 35 شخصا في حادث تدافع بمعبد في ولاية "أوتاراخاند" الهندية    اليوم.. قرعة الدوري «الاستثنائي» بمشاركة 21 فريقا بنظام المجموعتين    شوبير: لاعب الأهلي يريد الرحيل عن الفريق والإدارة ترحب بالعرض    كثافات مرورية متحركة بالقاهرة والجيزة.. وانتشار أمني لتأمين حركة السير    اليوم.. طقس شديد الحرارة والعظمى بالقاهرة 41 درجة بالظل    وزير التعليم يعتمد جدول امتحانات الثانوية العامة "الدور الثانى 2025    بسبب خلاف على شقة.. «الداخلية» تكشف ملابسات مشاجرة بالأسلحة البيضاء في القاهرة    كيف طوّر زياد الرحباني موسيقى الرحبانية؟    وزير الثقافة: نقل الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم إلى معهد ناصر    في ذكرى رحيله.. رشدي أباظة "الدنجوان" الذي أسر قلوب الجماهير وتربع على عرش السينما    "غيبوبة لليوم الرابع".. مناشدة عاجلة بعد تطورات الحالة الصحية لحارس دجلة    ارتفاع البلدي.. أسعار البيض اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    ثلاث مناطق فقط.. تفاصيل الهدنة التي أعلنتها إسرائيل في غزة    استشهاد 10 فلسطينيين وإصابة آخرين جراء قصف خيام واستهداف منتظري المساعدات بغزة    برامج دراسية متميزة للتأهيل على وظائف المستقبل بجامعة مصر للمعلوماتية    أسعار الأسماك والمأكولات البحرية في سوق العبور اليوم    بورسعيد تودع "السمعة".. أشهر مشجع للنادى المصرى فى كأس مصر 1998    3 أوجه تشابه بين صفقتي بوبيندزا وأوكو مع الزمالك    ريم أحمد: شخصية «هدى» ما زالت تلاحقني.. وصورة الطفلة تعطل انطلاقتي الفنية| خاص    ذكرى ميلاد فريد شوقي.. أيقونة الفن المصري وحكاية لا تنتهي    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى بولاق الدكرور دون إصابات    إصابة 6 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بالطريق الأوسطى    بعد عتاب تامر حسني لعمرو دياب.. تعرف على الأغنية رقم 1 في تريند «يوتيوب»    "الصحة": حملة 100 يوم صحة قدّمت 15.6 مليون خدمة طبية مجانية خلال 11 يوما    «الإفتاء» توضح الدعاء الذي يُقال عند الحر الشديد    لأول مرة .. اختبارات علمية لتحديد ميول وقدرات الطلاب قبل اختيار المسار الدراسى    وزير الخارجية والهجرة يتوجه إلى نيويورك    القاهرة الإخبارية: المساعدات لغزة تحمل كميات كبيرة من المواد الغذائية والطحين    إصابة 11 شخصا في حادثة طعن بولاية ميشيجان الأمريكية    بدعم من شيطان العرب .."حميدتي" يشكل حكومة موازية ومجلسا رئاسيا غربي السودان    طريقة عمل البسبوسة الاحترافية في البيت بأقل التكاليف    حياة كريمة.. افتتاح جزئى لمستشفى دار السلام المركزى بسوهاج اليوم    تنسيق الجامعات 2025.. الكليات المتاحة لطلاب الأدبي في المرحلة الأولى    القصة الكاملة لحادث انهيار منزل في أسيوط    الكلية الحربية والبحرية والجوية 2025.. خطوات التقديم وشروط القبول بالتفصيل    «الحشيش مش حرام؟».. دار الإفتاء تكشف تضليل المروجين!    ما حكم شراء السيارة بالتقسيط عن طريق البنك؟    بعد فتوى الحشيش.. سعاد صالح: أتعرض لحرب قذرة.. والشجرة المثمرة تُقذف بالحجارة    الثالث علمي بالثانوية الأزهرية: نجحت بدعوات أمي.. وطاعة الله سر التفوق    «حريات الصحفيين» تعلن دعمها للزميل طارق الشناوي.. وتؤكد: تصريحاته عن نقابة الموسيقيين نقدٌ مشروع    «تجاوزك مرفوض.. دي شخصيات محترمة».. نجم الأهلي السابق يفتح النار على مصطفى يونس    "سنلتقي مجددًًا".. وسام أبوعلي يوجه رسالة مفاجئة لجمهور الأهلي    تأكيدا لما نشرته الشروق - النيابة العامة: سم مبيد حشري في أجساد أطفال دير مواس ووالدهم    نيجيريا يحقق ريمونتادا على المغرب ويخطف لقب كأس أمم أفريقيا للسيدات    خالد الجندي: من يُحلل الحشيش فقد غاب عنه الرشد العقلي والمخ الصحيح    "مستقبل وطن المنيا" ينظم 6 قوافل طبية مجانية ضخمة بمطاي.. صور    سعيد شيمي يكشف أسرار صداقته مع محمد خان: "التفاهم بينا كان في منتهى السهولة    أعلى وأقل مجموع في مؤشرات تنسيق الأزهر 2025.. كليات الطب والهندسة والإعلام    الأمم المتحدة: العام الماضي وفاة 39 ألف طفل في اليمن    وزير الثقافة: نقل الكاتب صنع الله إبراهيم إلى معهد ناصر بالتنسيق الصحة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإخوان والدولة المدنية في مصر
نشر في الأهرام اليومي يوم 13 - 04 - 2012

بدخول الإسلاميين‏(‏ إخوان وسلفيين‏)‏ عالم السياسة الرسمي بعد ثورة‏25‏ يناير‏,‏ يكتسي وجه مصر ملمحا يطغي عليه الجانب الديني‏,‏ علي نحو يجعله يختلف كثيرا عن وجهها المدني الذي اعتادته منذ مطلع القرن التاسع عشر‏,‏ والذي كان فيه الملمح الديني للدولة منحصرا في زاوية محددة, يتجه النظام السياسي لإبرازها أثناء الاحتفالات بالمناسبات الدينية. ولقد عملت الدولة علي الدوام علي جعل نسختها الرسمية للدين محط التفاف وإيمان أغلب المصريين, وهي نسخة احتل قلبها مؤسسة الأزهر. وفي مختلف تجارب المواجهة بين الدولة والإسلاميين خرجت الدولة منتصرة, وأعادت الطبعة الرسمية للدين إلي الصدارة.
لكن علي الرغم من النسخة الدينية الرسمية, فقد بدت الدولة في العقود الأخيرة في واد والمجتمع في واد آخر; مما مكن من ببروز مراكز قوي دينية متعددة أنتجت آلاف النسخ والطبعات الدينية الخاصة, التي قدمت بديلا روحيا ووجدانيا مؤقتا ملأ الفراغ الذي أوجده غياب الدولة والتنمية وتعاظم الفساد, وروجت تفسيرات عديدة لتبرير التأخر الوطني انطلاقا من رؤي غيبية وإيمانية, وليس من خلال رؤي تنموية دنيوية. وفي ظل هذه الأجواء أصبح العشرات من الدعاة الجدد هم نجوم الفضائيات, وأصبح مشروعهم مناوئا لمشروع الدولة المدنية, وتنازلت الدولة عن دورها لعشرات الآلاف من الأفراد والجماعات والهيئات من القائمين علي موائد الرحمن ولجان الزكوات في القري والمدن. وكان ذلك السبب الرئيسي فيما أسفرت عنه نتائج أول انتخابات مدنية في مصر بعد ثورة25 يناير.
حملت سنوات ما قبل الثورة صورة تعايشت فيها طبعات دينية متعددة في كنف الدولة المدنية التي تراجعت قيمها للوراء, ونشأت مراكز لقوي دينية تفاوتت بين دعاة ذائعي الصيت( تنافسوا علي الصورة الإعلامية مع نجوم الفن), وأصحاب زوايا صغيرة لا يتجاوز نطاق معارفهم حدود زواياهم, ويخضع المصلون معهم لسلطان فتاواهم المشوهة وقهر معارفهم المحدودة, وانتزع كل منهم حصته من السلطة الدينية للدولة. وكانت صرخة وزير الأوقاف منذ يومين من شيوع ظاهرة انتهاك حرمة المساجد والاستيلاء علي المنابر عنوة واستخدامها للدعاية الانتخابية والسياسية, الانحراف الشائن الذي أصاب احترام المسلمين لبيوت الله تعالي, كانت هذه الصرخة بالغة الدلالة في الحالة التي وصلتها الدولة المدنية علي الصعيد الشعبي في مصر. هكذا انتهت سنوات ما قبل الثورة إلي القضاء علي جزء كبير من رصيد الدولة المدنية, وأتي الإخوان والسلفيون إلي السلطة في ظل أكثر فترات ضعف المكون المدني للدولة. وعلي هذه الأرضية جاءت تصريحات مرشح جماعة الإخوان المسلمين للرئاسة( خيرت الشاطر) بأن تطبيق الشريعة الإسلامية هدفه الأول والأخير, وبأنه ينتوي تشكيل هيئة حل وعقد لمساعدة البرلمان في تطبيق الشريعة, وأنه لن يفرض الجزية علي الأقباط!!, جاءت لتشير إلي ما يمكن أن ينال وجه وقلب الدولة المدنية في مصر من تغيير.
أربع صور للمستقبل المتوقع لعلاقة الإخوان بالدولة المدنية لو فازوا بالرئاسة:
أولا: الخروج السريع: في حالة ما إن تولي الإخوان السلطة وخرجوا منها سريعا, عبر انتخابات شعبية جديدة, فإنه من المتوقع أن يؤثر ذلك علي الموقع التاريخي للمشروع الإسلامي في مصر بشكل عام. فمنذ نشأة الجماعة يقدم الإخوان بدائل جاهزة للنهضة والوطن تختزل كل شيء في شعار الإسلام هو الحل, وهو طرح يختلف تماما عن المشروع المدني لمصر الوطنية, وإذا فشل مشروع الإخوان علي أرض الواقع, فإنه في الأغلب لن تقوم لمشروع الإسلام السياسي في مصر قائمة تؤهله لفرصة تاريخية موازية للفرصة الراهنة قبل مرور سنوات طويلة, وفي ظل ذلك تعود مصر بسرعة إلي تراث الدولة المدنية. وللأسف فإن آليات صناعة واتخاذ القرار داخل الجماعة حتي الآن لا تشير إلي أنهم تخلصوا تماما من تكتيكاتهم التي برعوا من خلالها في مواجهة السلطة علي مدي ثمانين سنة, وهم يتصرفون مع الحكم وفق التكتيكات ذاتها التي ناسبت فترة العمل السري, وهو ما لا يناسب مشروع دولة بعدد سكان85 مليون وعالم مختلف عن عالم الأربعينيات. وبالتأكيد أنه لو ظل الثقل الإخواني في البرلمان دون ثقل مواز له في السلطة التنفيذية ستبقي طروحاتهم بشأن حرمانهم من السلطة قائمة وتبقي مصداقيتها قائمة علي الأقل لدي شباب الجماعة. لذلك ربما من الأفضل منحهم السلطة, مع خالص التمنيات لهم بالتوفيق والتعاون معهم من فرقاء الوطن.
ثانيا: الانقلاب علي الإخوان: وهو احتمال قائم في الحالة المصرية وله أمثلة سابقة, وتصور هذا السيناريو بعد ثورة25 يناير قد لا ينشأ بالأساس من مؤامرة علي الإخوان من جانب العسكر, أو التيارات الأخري التي قد تدعم العسكر, وإنما من أخطاء في تكتيكات الإخوان, تؤدي بهم إلي تعثر مشروع استيلائهم علي السلطة, وذلك مثلا من خلال سلسلة من الأحكام القضائية, كالحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة ببطلان تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور. إن صدور مجموعة أحكام أخري, مثل أحكام ببطلان انتخابات مجلسي الشعب والشوري, قد تجهض مشروع الإخوان. ولكن في هذه الحالة أيضا سوف تبقي شكوي الإخوان من إجهاض المشروع الإسلامي في مصر, وهي حالة قد تعطي مددا روحيا لقوي التنظيم تمكنه من البقاء والاستقواء لسنوات مقبلة, والتعايش علي ذات الأفكار التي أنتجتها الجماعة خلال فترة الحرمان السياسي. وهذا السيناريو لن يضيف كثيرا إلي الفرقاء علي الساحة, وإنما سيعزز مشروع الإخوان لسنوات مقبلة, وسيبقي طرحهم الخاص للدولة منافسا لطرح الدولة المدنية ومعوقا لها.
ثالثا: انقلاب الإخوان علي الدولة: وهذا السيناريو هو المقابل للسيناريو السابق, وهو يعني بقاء الإخوان في السلطة واستغلال فترة وجودهم بها للسنوات القصيرة المقبلة في تكريس وجودهم واستيلائهم علي مؤسسات الدولة, والانقلاب علي تعاهداتهم مع القوي المدنية, واستغلال فترة وجودهم علي رأس الدولة في تغيير طاب والسيطرة علي المؤسسات المدنية وتغيير القناعات المؤسسية لتناسب أيديولوجيا الجماعة, وسن تشريعات وقوانين جديدة تكرس مواقعهم بالسلطة, وتنزع من مؤسسات المجتمع المدني عناصر قوتها الرئيسية, والبدء في مشاريع لأسلمة مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية, بما يجعل حكمهم لمصر يتجه نحو استبداد مؤسسي وبيروقراطي يمارس ذات الأساليب, والأخطر من ذلك أن يؤدي الارتباك والفشل إلي الدخول في مواجهات دولية, أو الاتجاه إلي تطبيق الشريعة والتخندق خلف أطروحة المؤامرة علي النموذج الإسلامي, وهي كلها احتمالات قد تجعل مصر إزاء سلسلة من الثورات المقبلة.
رابعا: الانقلاب داخل الجماعة: يمكن تصور أنواع متعددة من صور الانقلاب داخل الجماعة, بما فيها انقلاب إصلاحي يمكن من غلبة رؤية إصلاحية تنقذ الجماعة من تشبثها التاريخي بأفكار متقادمة, وذلك يمكن توقعه بفعل النقلة النوعية المفترضة التي قد تحدث في فكر الجماعة علي أثر الاحتكاك بالواقع والوجود علي رأس السلطة والاحتكاك المدني, أو يمكن تصور انقلاب قصر داخل الجماعة شبيه بالانقلابات العسكرية, أو انقلاب الحزب علي الجماعة, أو الرئيس علي المرشد. وهذا السيناريو أيضا قد تدعمه القوي المنشقة عن الإخوان وشباب الإخوان. لكن هل يمكن الرهان علي التغير في فكر الإخوان؟ لا تقدم الأشهر الماضية دليلا علي تطور القدرات التفاعلية الإبداعية للإخوان المسلمين مع شركاء الثورة من الليبراليين والقوي المدنية, مع ذلك, لا يمكن إغفال احتمال مد جسور التواصل مع باقي القوي في ظل إدراك ثقل المهمة أو المخاطر من عودة الفلول, وهو ما يدفع إليه أيضا الحرج المؤسسي والسياسي للإخوان إذا واجهتهم عثرات علي غرار العثرات التي واجهت لجنة الدستور.
ورغم شك أغلب القوي الوطنية في نجاح الإخوان, إلا أنهم يؤكدون قدرتهم علي النجاح, ويقدمون مرشحيهم وكأنهم سحرة يمتلكون وسائل الإبهار للشعب. ومع إدراك كلفة الاستنامة والركون إلي إبهار الإخوان, إلا أنه ليس ثمة سبيل آخر لإجلاء طريق مصر إلي الدولة المدنية إلا من خلال الممر الإجباري( للإخوان). وكما شاعت في فترة من الفترات مقولة أن الطريق إلي القدس يمر عبر بغداد, فإنه للأسف يبدو أن تأكيد وتحصين مشروع الدولة المدنية في مصر الجديدة عليه أن يمر عبر الإخوان والسلفيين, لأنه حتي الآن هو الخيار الذي تفرزه الأغلبية التصويتية من المصريين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.