قابلته أول أمس في رحلتي إلى استكهولم، عاصمة السويد.. حيث تمت دعوتي من قبل السفارة السويدية بالقاهرة، لحضور أسبوع الموضة في السويد والذي يجمع نجوم أوروبا وأكبر عدد من مصممي الأزياء في المملكة، وتنظيم لقاء للأهرام مع مارجوت فالستروم، وزيرة خارجية مملكة السويد. سنحت لي الفرصة لحديث مطول معه، هو: سمير الرافعي، مواطن مصري قضى أكثر من 40 عاما من حياته مغتربا في مملكة السويد.. ولأنه مغترب، أعلم تماما شعور من يذق طعم الغربة، فبدا متلهفا للقاء أي (حد من ريحة الحبايب) لمجرد الحديث المصري والفضفضة.. اصطحبتني صديقتي لويز فولينبرج، أستاذة في جامعة استكهولم، هي وصديقي هانز يانسون، أشهر مصممي الأزياء في السويد.. إلى "الحي السويدي القديم" ويشبه إلى حد كبير حي خان الخليلي المصري، وقالت:"ريهام عليك أن تدخلي هذا المحل".. وسبقتني ودخلت مسرعة داخل محل السيد سمير، صاحب أحد محلات الأنتيكات هناك (ويبدو صديقها)، وقالت له حذّر أنا "جايبة" لك مفاجأة صديقتي العزيزة، ثم قالت لي: "أدخلي ريهام". وما أن دخلت فأدركت أن صاحب المحل عربي الجنسية، فقلت له: "يا هلا.. إنت مصري" فوقف الرجل (بالرغم من أنه متقدم في العمر وبدا متعبا بشهامة مصرية) ثم قال: "يا أهلا أهلا أهلا بالحبايب".. وما أن علم أنني صحفية بجريدة الأهرام، إلا وبدأ الحديث والفضفضة بما في قلبه. سمير شأنه شأن كل المصريين المغتربين قلقين على مستقبل مصر بعد ثورتين، وبدأ يتساءل: "لماذا لا نقوم بتجربة السويد مع الأحزاب المصرية؟" فسألته وما هي؟.. فقال: "لقد عشت في المملكة أكثر من نصف عمري، وعاصرت تجربة الأحزاب في البلاد منذ أن بدأت في السويد.. وبصراحة "نفسي" جدا كمصري، نطّبق التجربة السويدية في مصر. وأضاف سمير: بدأت الأحزاب هنا من الصفر، بمعنى أنه لم تكن هناك أحزاب في البداية، وبدت الأحزاب تجربتها متخبطة فمنها من سقط ومنها من تم إحلاله وتجديده ومنها ما تغير تماما.. في الحقيقة يا أستاذة، أنا حزين جدا من الهجوم الحاد على الأحزاب في مصر وأتمنى أن تترك وسائل الإعلام هذا الهجوم الشرس لمصلحة وطننا الغالي، فمن أجل أن نمارس الديمقراطية ونصل إليها، لابد أن نخوض التجربة ونعيشها بحلوها ومرها حتى إذا كانت هذه الأحزاب تبدو ضعيفة، فهذا أمر ضروري، وحتى لو فشلت تجربة بعض هذه الأحزاب، فيمكننا تغييرهم، لكن لابد من منحهم ومنح الشعب الفرصة في ممارسة العمل الحزبي والمعارضة الطبيعية، إذا كنا حقا نرغب في التغيير". بدا المواطن سمير منفعلا غيرة على الوطن وحبا فيه، لكنني أردت أن أطمئنه بأن الأمور تسير على ما يرام وهذا الاستحقاق من خريطة الطريق لمصر، سينجح ويمر بسلام وسنكمل المشوار معا.. وستكون مصر أم الدنيا إن شاء الله. شكرني السيد سمير على هذا الحديث الذي استمتع وأمتعني به، ولم يكن يعلم ولم أكن أعلم أيضا أن هذا الحديث سيكون محور نقاشي مع قرائي الأعزاء على صفحات الأهرام من خلال هذا المنبر.. وقال لي: "لازم نعمل مع حضرتك واجب، من فضلك اقبلي مني هذه "الفوطة" للمطبخ كتذكار، ولأنني بطبيعتي لا أقبل الهدايا خاصة إذا عرّفت من أمامي بهويتي، فقد أصررت على دفع حسابها، ولمّا رفض قلت له: سأشتري شيئا أخرا، وسأقبل هديتك شريطة أن تكتب إسمك عليها لأنني أنوي تعليقها في مطبخ منزلي تذكارا من مصري عزيز يسكن في السويد قابلته صدفة، وربما لن أقابله مرة ثانية، لكن تبقى الذكريات الجميلة. من قلبي: كلمة أخيرة أود أن أقولها لنا جميعا لابد أن نعلم أبناءنا كيف يكونوا صناع قرار لأنفسهم، وهذا بأن نترك لهم ممارسة حرياتهم وحقهم في إبداء الرأي داخل البيت، ليستطيعوا أن يكونوا أصحاب قرار وواعين ومدركين للاختيارات في مصرنا العزيزة.. فكل شيء يبدأ من البيت الصغير ثم البيت الكبير في مرحلة لاحقة.. والله المستعان! [email protected] لمزيد من مقالات ريهام مازن