حق المصريين المكفول غير المنقوص أن يدعموا ويتحمسوا لمن يختارون من الساعين والمتكالبين علي الكرسي الرئاسي, شريطة الالتزام بالقاعدة الذهبية المتمثلة في المكاشفة وعدم الخداع والالتفاف علي الحقائق المؤكدة بالبراهين الدامغة, والانهماك في حديث المؤامرة وتوزيع الاتهامات والتهديدات علي القاصي والداني. فالجموع الغفيرة المتيمة بحب وتأييد الشيخ حازم أبو إسماعيل ترفض قبول حقيقة أن مرشحهم لا تتوافر لديه الشروط القانونية المؤهلة لخوضه الانتخابات الرئاسية, بعدما أظهرت المستندات أن والدته الراحلة السيدة نوال عبد العزيز, كانت حاصلة علي الجنسية الأمريكية. الخبر الصاعقة أصاب أبناء أبو إسماعيل بحالة هستيرية, بدت ملامحها ومظاهرها جلية, خلال مظاهراتهم الغاضبة في ميدان التحرير الجمعة الماضي, وطغت علي لغة خطابهم نبرة الوعيد والنذير من أن حرمان أبو إسماعيل من الترشح لن يمر بسلام, وبايعوا الرجل علي الدم واستعدادهم للاستشهاد في سبيل تمكينه من الترشح, بل إن احدهم خاطب الحضور قائلا: إن القضية ليست حازم أبو إسماعيل, وإنما المعركة الدائرة بين الكفر والإيمان. بدوره لم يدخر أبو إسماعيل وسعا في الإدلاء بتصريحات نارية من مسجد أسد بن الفرات أسجل اعتراضي علي استغلال المساجد في نشاط سياسي يحذر فيها من اللعب بالنار. حينما ينصت المخلصون من أتباعه لمثل هذا الكلام ماذا سيكون رد فعلهم؟ بالتأكيد لن يقبلوا ما يخالف اعتقادهم الجازم بأن أبو إسماعيل علي صواب, وأن الكثيرين في الداخل والخارج أقلقهم شعبيته الطاغية الجارفة, وأن فرصه في الفوز تكاد تكون مضمونة, ولذلك سعوا لإقصائه من السباق بمختلف السبل, ومن ثم قد يتحول هؤلاء الأنصار والمريدون إلي قوة مستعدة لفعل أي شئ لإيصاله للقصر الرئاسي. وللأسف فإن حازم أبو إسماعيل فوت فرصة نادرة كانت ستحقق له مكاسب أقيم وأكبر من الجلوس علي مقعد الرئيس, خاصة أنه يبغي مصلحة المصريين وليس المنصب وبريقه. فالرجل كان باستطاعته توجيه رسالة مغايرة لمؤيديه الرافضين تحكيم العقل والنظر في الدلائل المطروحة, بأن الظرف الراهن يفرض احترام القانون الذي طالما اشتكينا من انتهاكه وعدم تطبيقه في عهد حسني مبارك, فمن واجب الجميع الرضوخ للقانون, حتي لو كان سيصيبه بالضرر, فما بالك بمن يسعي للرئاسة؟. كما كان بمقدوره تقديم نموذج مشهود في الشجاعة والنبل السياسي, باعترافه بأن والدته تحمل جنسية أجنبية, وأنه قدم معلومات غير صحيحة للجنة العليا للانتخابات الرئاسية بإقراره بأن والديه لا يحملان جنسية غير المصرية, فأصل الموضوع ليس الجنسية الأمريكية, وإنما مصداقية السياسي الطامح لأعلي منصب في الدولة. حينئذ فإنه سيضع حجر الأساس لنظام سياسي صلب يعتمد علي الصراحة والترفع عن المناصب وإغراءاتها, فمن سيأتي بعده سيتذكر هذه الواقعة وسيجعلها نصب عينيه, ومصر ستصبح المستفيد الأكبر في كل الأحوال. وياحبذا لو أن أبناء أبو إسماعيل تنبهوا لتلك الجوانب قبل الانجراف في تيار الشهادة لأجل الرئاسة. المزيد من أعمدة محمد إبراهيم الدسوقي