ليأذن لى أستاذنا وكاتبنا الكبير صلاح منتصر أن استعير عنوان عموده اليومى «مجرد رأى» وهو «المركبة عدت وبتتعاجب» الذى نشره الأهرام بمناسبة ذكرى عودة الملاحة بقناة السويس ليكون عنوان حكاياتى اليوم، والذى روى فيه له الموسيقار عبد الوهاب حكاية الأغنية التى استمع اليها من المؤلف كاتب هذه السطور - وانها ملأت وجدانه وهو يستمع إلى كلماتها تليفونيا خاصة المذهب الذى يقول: المركبة عدت وأهى ماشية .. والكل شايفها بتتعاجب .. والضحكة أهى زادت وبتغنى .. كان الأمل مغلوب صبح غالب .. وأعجبه هذا المذهب وطلب من المؤلف قراءة الكوبليه الأول إلى أن وصل إلى مجموعة المعانى الجميلة التى تتحلى بها هذه الأغنية مثل: «الموج رقص جنب السفينة .. إلى أن وصل إلى شطرات : جت له الشعوب من كل وادى .. جت بالهنا .. تشارك بلادى .. وكذلك : بعتوا التحية للجنود .. ع الجبهة على كل الحدود، وما أن انتهى المؤلف من كلماته دخل الموسيقار عبد الوهاب صومعته ولم يخرج منها إلى بعد أن انتهى من تلحين الأغنية وبدأ بعد لك الاتصال بعبد الحليم حافظ والموسيقار أحمد فؤاد حسن لبدء البروفات وتسجيل الأغنية وهو ما لم يكن المؤلف لأن عبد الوهاب سجل الأغنية منه تليفونياً وبدأ فى تلحينها. ..... ولم تكن هذه الأغنية وحدها التى غناها عبد الحليم ولكنه تغنى بأغنيته الثانية فى نفس المناسبة للزميل الشاعر الراحل محسن الخياط والتى لحنها له الموسيقار محمد الموجى، وكان محسن الخياط قد اتصل بالموجى فى منزله بشارع البراد بالعباسية وقال له أنه كتب أغنية بهذه المناسبة، وكانت تربطة علاقة وثيقة بالموجى الذى طلب منه أن يلتقى به فى السابعة مساءً بمكتبه بشارع الشواربى بوسط البلد وكان يضع لافته على مكتبه باسم «مدرسة الموجى» حيث كان يستقبل المواهب الشابة فى الغناء ليقدمها للاذاعة والتليفزيون - وأذكر أن الشاعر محسن الخياط الذى كانت تربطنى به علاقة وثيقة كان حريصاً على الالتقاء بالموجى سواء فى منزله أو فى مكتبه - وعندما قرأ الموجى عنوان الأغنية «النجمة مالت ع القمر» واستمر فى قراءة كلماتها وشده المذهب الذى يقول: النجمة مالت ع القمر فوق فى العلالى .. قالت له شايفة يا قمر أفراح قبالى .. قال القمر بينا نسهر على المينا .. ده النور على شط القنال سهران يلالى .. شاف القمر ع الضفتين رقه وزينة .. قال ده السلام فارد جناحه ع المدينة، وأمسك الموجى بعوده وبدأ يدندن فى المذهب والذى استغرق منه أكثر من نصف ساعة ولم يتركه حتى انتهى من تلحينه، الأمر الذى جعل محسن الخياط يشعر بالبهجة والسعادة، وفى اليوم التالى عقدت نفس الجلسة بينهما وكان الموجى قد انتهى بالفعل من الكوبليهات وبدأ اتصالاته بعبد الحليم والفرقة الماسية لاجراء البروفات فى منزل عبد الحليم حافظ بالزمالك فى شقته بالعمارة المطلة على حديقة الأسماك وبعد ثلاثة أيام اتصل الموجى بالمسئولين باستوديو46 للتجهيو لتسجيل الاغنية التى استغرقت 12بروفة مع أعضاء الفرقة الماسية، وهى نفس الفترة التى استغرقها موسيقار الأجيال فى تسجيل «المركبة عدت» وان كانت البروفات قد وصلت إلى أكثر من 15بروفة، وبدأت الأغنيتان تذاعان فى يوم 5يونية فى هذه المناسبة فى وقت واحد. ومنذ أكثر من شهر ونصف الشهر دار حوار بينى وبين الاعلامية القديرة هالة الحديدى زوجة الشاعر الكبير فاروق شوشة وسألتنى كما سألت شعراء أخرين عن أهم الأغنيات الوطنية التى أبدعوها فى المناسبات الوطنية وسجلتها الاذاعة لكى تحصرها وتقدمها من جديد على شبكات الاذاعة المختلفة، وهو جهد وطنى تشكر عليه لاحساسها بقيمة هذه الأغنيات وأهميتها فى زرع الانتماء والولاء للوطن من جانب الشباب ولكونها كنوز غنائية لا يمكن أن تنساها الأجيال، وقلت لها من جانبى بعض الأغنيات الوطنية من تأليفى ومنها أوبريت أرض الأديان الذى لحنه حلمى بكر وقامت فايزة أحمد فيه بدور الراوية مع ثمانية من المطربين والمطربات وسجلته الاذاعة عام 1983، ثم أغنية أقوى من الزمان لشادية وعمار الشريعى وقاهرة الزمان للموسيقار ميشيل المصرى غناء محمد ثروت وغادة رجب وأغنيات أخرى لا يتسع المكان لعرضها .. وكانت المفاجأة أن الاستاذة هالة حصلت على نص أغنية «المركبة عدت» من مكتبة الاذاعة وقراءته باستفاضة ووجدت أن الاغنية كأنها مكتوبة اليوم بمناسبة قناة السويس الجديدة وأننى لم أترك جانباً مهما إلا وقلته فى هذه الأغنية حتى الوفود العالمية التى جاءت من كل بلاد العالم لتشارك فى هذه المناسبة. أما الحكاية التى لا أنساها ويعرفها الاستاذ صلاح أن الموسيقار محمد عبد الوهاب كان أحد السفراء قد زاره بمنزله المطل على نيل الزمالك وكان قد استمع لهذه الأغنية وطلب عبد الوهاب وقال له : مبروك هذه الأغنية الرائعة وكان قد مضى على اذاعتها أكثر من عشر سنوات فقال له عبد الوهاب: هذه أغنية قديمة ولكن السفير قال له أنى سمعتها لأول مرة يوم 5 يونية فاتصل عبد الوهاب بالاستاذة سامية صادق قال لها : حضرتك ساكنة على النيل وبتشوفى المراكب بتعدى قدامك كل يوم؟ فأجابته : نعم ، فسألها: «اشمعنى مركبتى أنا اللى مابتعديش إلا كل سنة مرة؟ فضحكت سامية صادق وفهمت مغزى السؤال وبدأت تتدخل لاذاعتها فى القنوات المختلفة ولكنها اذيعت للأسف لفترة مؤقتة ثم توقفت اذاعتها بعد ذلك. ....... أما الشئ الذى لا أنساه فى هذه المناسبة ولا يزال عالقاً فى ذهنى حتى الآن فهو روح المحبة والود التى كانت تجمع بين كبار الملحنين فى ذلك الوقت فقد شاهدت بنفسى الموسيقار محمد الموجى الذى كان حريصاً على حضور بروفات أغنية «المركبة عدت» فى منزل عبد الحليم حافظ ولم يترك بروفة واحدة لم يحضرها ولم يقف عند هذا الحد بل كان حريصاً على حضور التسجيل وكان يبارك لعبد الوهاب وهو نفس ما كان يفعله عبد الوهاب فى بيت عبد الحليم أثناء بروفات الموجى له ويهنئه ب « النجمة مالت ع القمر»، وما أثار اعجابى أكثر هو اصرار الموسيقار الكبير كمال الطويل – الذى لم تكن له اغنية بهذه المناسبة – على حضور بروفات الموسيقار عبد الوهاب وبروفات الموجى أيضاُ وتهنئة القطبين الكبيرين بهذه الأغنيات، وهكذا كانت روح المحبة التى تجمع بين كل الموسيقيين وكبار الملحنين وهو ما شاهدته أيضاً مع كبار الشعراء أمثال مأمون الشناوى وحسين السيد ومرسى جميل عزيز وعبد الفتاح مصطفى وعبد الوهاب محمد حين كان كل منهم يحضر تسجيل أغنيات الآخر ويهنئ كل منهم بالعمل الذى ينتجه كل منهم .. وهو فعلاً ما يطلق عليه «زمن الفن الجميل». هذه حكاية الأغنيتين الوطنيتين أرويها بعد مرور أربعين عاماً بالتمام والكمال على تسجيلهما ولو كان عبد الوهاب وعبد الحليم والموجى يعيشون بيننا الآن لقاموا بتسجيلهما بتوزيعهما وتصويرهما مع لقطات حية لكل ملوك ورؤساء العالم الذى توافدوا على مصر للمشاركة فى الحلم الكبير الذى تحقق «قناة السويس الجديدة». فهل يفعل التليفزيون ذلك؟