إن قناة السويس هى ممر مائى صناعى بطول 193 كم بين بورسعيد على البحر الأبيض المتوسط، والسويس على البحر الأحمر. وهى اقصر طريق يربط بين الشرق والغرب، فمن خلال هذه القناة الملاحية المهمة يتم عبور السفن القادمة من دول البحر المتوسط، وأوروبا، وأمريكا إلى آسيا بدلاً من طريق رأس الرجاء الصالح. ويمر من خلال قناة السويس حوالى 10% من التجارة العالمية، وحوالى 22% من تجارة الحاويات بالعالم. كما أنه إذا قارناها بإحدى القنوات المهمة وهى قناة بنما مثلاً، والتى تربط المحيط الأطلنطى بالمحيط الهادى والبحر الكاريبى، سنجد أن طول قناة السويس ضعف طول قناة بنما؛ حيث يبلغ طول الأولى حوالى 193 كم فى مقابل 80 كم طول قناة بنما، كما أن أقصى حمولة لسفينة فى قناة بنما هى 70 ألف طن، بينما أقصى حمولة لسفينة يمكن أن تعبر القناة حوالى 150 ألف طن. على الرغم من ذلك، فإن ما يتحقق من عوائد من قناة السويس لا يزيد على رسوم المرور منها فقط، والتى تبلغ 5.2 مليار دولار سنوياً. وترجع الأهمية التاريخية لقناة السويس، كون مصر أول دولة تحفر قناة دولية في أراضيها من أجل تنشيط حركة التجارة الدولية نتيجة لموقعها الجغرافى المتميز، ولكونها اقصر الطرق للوصول بين الشرق والغرب. وحصلت الشركة العالمية لقناة السويس على امتياز حفر القناة، وتشغيلها لمده 99 عاماً، وتأسست الشركة على إنها مؤسسة مصرية خاصة، يملك معظم اسهمها فرنسيون، إلا إنه فى عام 1875، ونتيجة لتراكم الديون الخارجية على مصر آنذاك، قامت الحكومة البريطانية بشراء اسهم الحكومة المصرية، ومع ذلك ظلت فرنسا صاحبة الامتياز الأكبر، واستمرت قناة السويس تحت السيطرة الإنجليزية، والفرنسية حتى اعلان الرئيس عبد الناصر القرار التاريخى المهم بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس شركة مساهمة مصرية فى عام 1956. لكن ما هو مشروع قناة السويس الجديدة؟ هذا المشروع هو تطويرمنطقة قناة السويس كممر ملاحى، من خلال البدء بشق تفريعة جديدة موازية للقناة الحاليّة، بطول يبلغ حوالى 35كم، مع تعميق وتوسيع للمجرى الحالي، لتمكين السفن ذات الغاطس الكبير من المرور فى القناة فى الاتجاهين دون توقف، فضلاً عن تقليص فترات انتظار السفن العابرة. والهدف الأساسى من هذا المشروع، هو تحويل القناة من مجرد معبر تجارى إلى منطقة تنمية متكاملة، بحيث يمتد مشروع تنمية قناة السويس جغرافيا ليشمل محافظات القناة الثلاث: بورسعيد، والإسماعيلية، والسويس، ومن المفترض أن يرتكز هذا المشروع على محورين أساسيين، وهما: محور اقتصادى صناعى، و محور عمراني. وتأتى أهمية هذا المشروع للتجارة العالمية، هو أن النقل البحرى هو أرخص وسائل النقل، لأنه يتم من خلاله نقل ما يزيد على 80% من التجارة العالمية، حيث تساعد انخفاض تكلفة النقل البحرى بالنسبة للأنواع الأخرى من النقل على تزايد معدلات الطلب على هذا النوع من النقل؛ فالقدرة على نقل كميات كبيرة يترتب عليه انخفاض تكلفة الوحدة، وهذا يضفى أهمية كبرى على مشروع قناة السويس. لقد سبق وأن اشرنا إلى اقتصار العائد من قناة السويس علي رسوم المرور فيها فقط، ولذلك فقد كان من الأهمية بمكان تعظيم الاستفادة، والعائد من هذا الشريان المهم من شرايين النقل، من خلال تنمية شاملة للمنطقة، لتستطيع تقديم خدمات متكاملة من تموين، وتخزين، وصيانة أسوة بالموانىء العالمية، كموانئ دبي، وسنغافورة، حيث يحقق الأخير عائدا فى حدود 35 مليار دولار سنويا. لكن ما هى العوائد من هذا المشروع؟ إن القناة الجديدة ليست مشروعا قائما بذاته، ولكنه يشمل تطوير منطقة قناة السويس كممر ملاحى من خلال التفريعة الجديدة الموازية للقناة، وهى بداية الحلم المأمول لتحقيق تنمية شاملة لإقليم القناة، وتحويل الممر الملاحى من مجرد معبر بحرى تجاري إلى مركز أعمال عالمى متكامل متعدد الجوانب عبر أنشطة صناعية، وتجارية، ولوجيستية متكاملة، وإنشاء مدن وتجمعات سكانية غرب وشرق القناة . وقد تم الإعلان عن بدء العمل فى منطقه شرق بورسعيد لتكون اللبنة الأولى لمشروع التنمية فى إقليم قناة السويس من خلال إنشاء منطقة صناعية علي مساحة أربعين مليون متر، تهدف إلى توفير ألف فرصة عمل، وتشمل صناعات هندسية وسيارات. لقد شرفت أكثر من مرة بزيارة القناة وأنا صغيرة بصحبة الوالد رحمة الله عليه لصديقه وزميله المهندس مشهور أحمد مشهور، وكانت آخر زيارة قمت بها للقناة فى شهر أبريل الماضى، حيث أبحرت فى القناة الجديدة مع مجموعة من الأساتذة، والزملاء، والطلبة والطالبات، وصحبنا فيها بكل تواضع وحماس الفريق مهاب مميش، وسعدت برؤية خريجى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الذين يعملون فى قطاعات مختلفة بالهيئة . لقد قاد الفريق مميش اوركسترا من الأبطال من العاملين، والشركاء فى هذا المشروع، ليعزفوا جميعا سيمفونية رائعة فى حب مصر وليستكمل مسيرة الأداء المتميز لكل من قاد سفينة هذه القناة. إن قناة السويس كانت ولاتزال تمثل بالنسبة للمصريين رمزا للحرية والاستقلال، فلقد أممها الشعب المصرى لتكون مصرية خالصة، وتعبيراً عن الإرادة السياسية للشعب المصرى فى بناء غدٍ أفضل، من خلال توظيف الطاقات الممكنة، فمنذ بناء وتشييد السد العالى لم يظهر مشروع قومى يجمع السواعد المصرية، ويوحد الهدف، ويقوى العزيمة. كما إن إنشاء تفريعة جديدة، و تعميق مجرى القناة الحالية هو إنقاذ حقيقي من تهديدات إقليمية، ودولية؛ حيث كانت المكانة العالمية للقناة مهددة، إذا لم تقم مصر بتطوير قدرتها على خدمة حركة النقل العالمية، كما أن هناك عائدا على قدر كبير من الأهمية والتأثير، بل قد يكون الأكثر تأثيراً فى عملية التنمية، وهو الجانب القيمى والثقافى؛ فالمطلوب هو نشر ثقافة و قيم العمل والإنجاز، والالتزام، والثقة بالنفس، واستلهام الإنجاز الذى حدث فى مشروع قناة السويس، لرفع المعنويات، وتأكيد قدرتنا على الإنجاز، وتحدى الصعاب. لمزيد من مقالات د.هالة حلمى السعيد