كنا نغنى زمان أغنية عبدالوهاب «امتى الزمان يسمح يا جميل وأقعد معاك على شط النيل»، فاليوم أصبحنا نغنى «امتى الزمان يسمح يا جميل واقعد معاك على كوبرى فوق النيل»! فالقعود اليوم على شط النيل أصبح من رابع المستحيلات بعد الغول والعنقاء والخل الوفي، بعد أن أصبح المواطن المصرى يرى النيل بعينيه ولا يستطيع الوصول إلى شاطئيه، وقد احتلتهما الاشغالات والأندية الخاصة والهيئات الكبري. فمن أراد أن يملأ عينيه من جمال صفحة النهر الخالد، ورئتيه من نسيمه العليل، وهذا أدنى حق له، فليس له إلا الجلوس على الكبارى والمحاور التى تعبر النهر. المواطن اليوم يشد الرحال إلى الكبارى قبيل غروب الشمس، ومعه الكراسى والموائد والشيشة والطعام والشراب، لينعم بحقه المسلوب فى تمضية الوقت على ضفاف النيل. وهناك مقاه متنقلة، نصبها أصحابها على الكبارى والمحاور لاستضافة المواطنين وتقديم الخدمات لهم خلال جلساتهم. وأذكر اننى خلال زيارتى لباريس، وأى عاصمة أو مدينة فى دولة متمدنة، كانت ضفاف الأنهار مفتوحة لأفراد الشعب، يستطيعون «التمشى» عليها بلا عائق أو مانع بطول النهر. والوضع نفسه بالنسبة لشاطئ البحر، فالمواطن الذى يريد الاستمتاع ببحر بلاده فى الإسكندرية مثلا لن يتمكن من ذلك، ما لم يكن حائزا لكابينة فى شاطئ ما أو مستأجر لها، إما هذا أو أن يدفع رسوما له ولأسرته، وعلى طول امتداد الساحل الشمالي، يرى المواطن البحر، وأنى له الوصول إليه، وقد استأثرت كل قرية بقطعة من البحر وشاطئه دون سائر المواطنين. ولقد اصطفت هذه القرى جنبا إلى جنب كأنها البنيان المرصوص، فلم تترك فيه ثغرة للمواطن من غير ساكنى هذه القرى ليدلف منها إلى شاطئ البحر، بطول الساحل الذى كان من أجمل سواحل العالم. وفى كل البلاد التى زرتها، لا تمتد الملكية الخاصة إلى حرم البحر وشاطئه، فهى ملكية عامة للشعب، فيظل الشاطئ ممتدا متصلا بأطوال قد تصل فى بعض البلاد إلى مائة كيلو متر، مفتوحا للجميع، لا يدفع أحد رسوما لدخوله، ولا سلطان للمنتجعات والفنادق والأندية المقامة بالقرب منه على استعمال الناس للشاطئ وحركتهم عليه إلا مصر! د.يحيى نور الدين طراف