تحدثت بالأمس عن المكاسب التي حققتها إيران عبر اتفاقها حول الملف النووي مع دول (5+1) ..واليوم أتحدث عن الخسائر التي لحقت باليونان جراء الاتفاق مع دول منطقة اليورو أعرف أن كثيراً من اليساريين المصريين هللوا- علي نحو ساذج جداً- لخطوات تسيبراس رئيس وزراء اليونان اليساري حين رفض مطالب ترويكا الدائنين (البنك الدولي+صندوق النقد الدولي+الاتحاد الأوروبي)، وأوغلوا في تهليلاتهم حين استفتي تسيبراس جموع الشعب اليوناني علي رفض المزيد من إجراءات التقشف التي طالب الدائنون بفرضها علي اليونان سواء بخفض الرواتب أو المعاشات أو غيرهما. وعلي أنني ميال بطبيعتي للمواقف التي تتحدي إملاءات الغرب وترفض الهيمنة فإنني رأيت ما يفعله تسيبراس هو (قمار) أو (انتحار) وكتبت ذلك المعني هنا مشيرا إلي أن الرجل يخبط رأسه في الحائط. وبالفعل فقد تعددت الضغوط الدولية علي تسيبراس، وكان منها تهديد ألمانيا وفنلندا بطرد اليونان خارج منطقة اليورو لمدة خمس سنوات، ورغم تأييد بعض الأوروبيين ومنهم الفرنسيون لليونان إلا أن شيئاً لم يك بمقدورهم..وهكذا استبدلت بروكسل قمة لدول منطقة اليورو بقمة القادة الأوروبيين التي كان مقرراً عقدها، وأعلنت عن اتفاق مذل لليونان تعلن فيه أثينا قبولها لإجراءات التقشف التي فرضها الدائنون (وهو ماتم تمريره في البرلمان اليوناني بصعوبة بالغة وتسبب في انقسامات داخل حزب تسيبراس نفسه كما ترتب عليه خروج مظاهرات صاخبة في اليونان ضد الاتفاق الذي نص- كذلك- علي استبعاد وزراء الحكومة اليونانية المعارضين للاتفاق. والمذهل أن اليونان عرضت بناء علي حركة (العنترة) التي قام بها رئيس وزرائها أن ترهن أصول تملكها بخمسين مليار دولار حتي تكون ضمانة يقبل الدائنون بناء عليها الموافقة علي حزمة إجراءات جديدة لم يتنازلوا فيها عن أي عنصر فرضوه وإن قرروا منح بعض المساعدات لأثينا مقسطة علي ثلاث سنوات. لم يصل تسيبراس إلي تحقيق شيء من كل الشعارات الرنانة التي صاحبت ضجته، لأنه تجاهل أنه جزء من نظام اقتصادي دولي ومن منطقة اليورو الأوروبية، وأن دولة لا تستطيع تجنب الإفلاس بمزيد من المعونات طوال الوقت، ثم إنه لم يفهم- فيما يبدو- الأخطاء المروعة التي وقع فيها اليونانيون وأفضت بهم إلي ذلك الوضع. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع