( الكوبرى هو جسر يُعبر عليه أما القنطرة فهى جسر متقوس مبنى فوق النهر يًُعبر عليه ) هذا هو بالضبط ما يقوله المعجم اللغوي فى شرح معنى كلمة الكوبرى أوالقنطرة وهو شرح واف كاف فى نظر البعض لمعنى الكلمة ولكن ما لا يعرفه الكثيرون أن وراء كل كوبرى وقنطرة موجودة فى مصر آلاف من قصص العمل والكفاح والجد والاجتهاد ومنظومة عمل متكامل قد تجعل الكوبرى يقف شاهداً على النجاح لعشرات السنوات وأو قد ينهار بعد عدد محدود من السنوات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة فيشير بوضوح الى فساد وإهمال وتراخى بعض الحكومات ، ووثيقة هذا الأسبوع هى عبارة عن ملف يحكى حكاية إنشاء كوبرى أو قنطرة لعبور المشاه على ترعة المحمودية بالاسكندرية وهى قصة جميلة تستحق أن يتم الكشف عن بعض أسرارها . وتقول الوثيقة الاولى الموجهة الى مالية ناظرى سعادتلو أفندم حضرتلرى (وزير المالية)؛ إنى أتشرف بإخبار سعادتكم بأنه مقتضى كونتراتى المعقودة (العقد) مع الحكومة المصرية بتاريخ 23 أبريل 1862 بخصوص تشغيل وتركيب قنطرة حديد بهاويس مجوز ( مزدوج ) على ترعة المحمودية بمينا البصل صرت أستحق قبض مبلغ 2750 ليرة فى ظرف 30 يوما تمضى من تاريخ هذا الخطاب حيث بهذا شهد حقيقة بورود جميع مهمات القنطرة المذكورة الى محل العملية بالاسكندرية ، وها هو مرسول فى طيه بوالص الشحن المتعلقة بمهمات القنطرة المذكورة طبقاً لما هو مدون بالبند السادس الأخير فى الكونتراتو المحكى عنه . وبناء على هذه المذكرة قامت وزارة المالية بفحص وثائق هذا المشروع وإرسال خطاب لمحافظة الاسكندرية لمتابعة عملية إنشاء القنطرة والكوبرى للتأكد من صدق البيانات والمعلومات الواردة به و قيام المقاول بتوريد المعدات اللازمة للمشروع للموقع أو المكان المزمع إقامة الكوبرى به ويقول الخطاب المرسل من ناظر المالية محمد حافظ باشا الى محافظ الاسكندرية « اسكندرية محافظى سعادتلو أفندم ؛ وردت إفادة من الخواجة حاس دوس يذكر فيها أن مهمات القنطرة الجارى إنشاؤها على ترعة المحمودية بمينا البصل وردت الى محل العملية بإسكندرية فلذلك صار يستحق أن يصرف له مبلغ 2750 ليرة فى ظرف 30 يوما تمضى من تاريخ إفادته المرقومة الى الكونتراتو المربوط معه وأرسل ثلاثة بوالص شحن للمهمات التى وصلت للمشروع وإذا اتضح ورود كامل مهمات القنطرة كما فى الكونتراتو فيتكرم بورود الإفادة الواضحة بذلك وإعادة بوالص الشحن « فقام محافظ الاسكندرية مراد بك حلمى بالرد بوصول الخطاب وجار متابعة الموضوع وتم تكليف باشمهندس الهويس والكوبرى بالرد فأكد فى خطاب موجه الى محافظ الاسكندرية بأن كافة مهمات وأجزاء القنطرة وردت بأكملها الى الموقع وجار التركيب . وبالتبعية قام معاون محافظ الاسكندرية بإخطار المالية بالتطورات فى المشروع وبصدق المقاول وصحة أوراقه وجاء الرد كالتالى « حيث إن الخواجة حاس دوس أرسل إفادة بأنه أورد كامل مهمات القنطرة المحكى عنها وطلب صرف مبلغ 2750 ليرة قيمة التلت التانى ولذا تم الاتفاق مع الخواجة المذكور بأن يصرف له الآن نصف المبلغ والنصف الآخر يصرف له بعد عشرة ايام . ومن هذه الوثائق نتبين أن الحكومة المصرية قد قررت إقامة كوبرى مزدوج على ترعة المحمودية فى منطقة مينا البصل بالاسكندرية فتعاقدت مع أحد المقاولين الأجانب أو الخواجات لاستيراد وإحضار المعدات اللازمة لإنشاء الكوبرى وهو الخواجة حاس دوس الذى التزم بكامل بنود العقد الذى كان ينص على أن الميزانية المخصصة للمعدات اللازمة للكوبرى هى 8250 ليرة انجليزية وهى إحدى العملات التى كان يتم التعامل بها فى مصر فى ذلك الوقت حيث لم يكن بمصر عملة خاصة بها وكان التعامل يتم أما بعملات الاجانب المقيمين (فرنسيين ، انجليز ، نمساويين وغيرهم) أو بالعملات العثمانية وقد عرفت مصر العملات الخاصة فى عصر الخديو اسماعيل ( 1863 - 1879 ) حينما قرر سك عملات مصرية او بارات مكتوب عليها ضرب فى مصر بجانب العملات الأجنبية والعثمانية. كما نص العقد مع الخواجة على أن قيمة المشروع يتم صرفها على ثلاث دفعات خلال 30 يوما من الالتزام بالعقد وهو ما حدث فى هذه الحالة التى تقدم مثالا أكيدا على العمل الجاد من جانب الحكومة والقطاع الخاص حيث إن الحكومة كانت فى ذلك الوقت 1862 أى عهد سعيد باشا تتعاقد مع الأفراد والقطاع الخاص بلغة هذا الزمان لإنجاز المشروعات الكبرى وكانت تقوم بمتابعة التنفيذ من خلال الأجهزة التنفيذية فبمجرد إرسال الخواجة دوس مطالبته بالحصول على جزء من مستحقاته مرفقاً بالطلب بوالص الشحن الخاصة بالمعدات كدليل على الأمانة والدقة والالتزام أرسلت الوزارة للمحافظة للاستعلام عن الموقف وتحرك الجميع مما يؤكد ان العمل كان يتم من خلال منظومة متكاملة كتروس الماكينة مما يساعد على النجاح، وبالفعل تم التأكد من وصول المعدات وتم التنسيق مع الخواجة لصرف مستحقاته على دفعتين . بقى أن أقول أن ترعة المحمودية هى إحدى المشروعات البارزة لمحمد على باشا الذى أمر بحفرها في 8 مايو 1807 لتبدأ من النيل وتصل للإسكندرية ولتكون ممرًا مائيًا للمراكب التجارية بين الإسكندرية ونهر النيل. وكان محمد علي قد أمر كشافين البحيرة بجمع الأنفار، وتجهيز العمال، والبنائين، والحدادين، والمساحين، والفؤوس، والغلقان، والمقاطف. وكانوا يسيرون مع كاشف كل منطقة بالطبل والزمور. وكان كل إقليم تمر به الترعة له حصة ليحفرها, فإذا انتهي من الحفر يساعد الإقليم المجاور. وأثناء الحفر ظهر ببعض الأماكن مساكن مطمورة وقيعان وحمامات معقودة وظروف بها بداخلها قطع نحاس قديمة وأخرى لم تفتح ولايعلم ما فيها رفعوها لمحمد علي. وفي أبريل 1819 توقف العمل بسبب الطاعون وعاد الناس لبلادهم. وكان كل من يموت يدفن في مكانه لكثرة الموتى. وفي يناير سنة 1820 فتحوا للترعة شرمًا بالإسكندرية علي البحر. وسميت ترعة ومدينة المحمودية باسم السلطان العثماني محمود الثاني . والله على مصر ومشروعاتها وناسها زمان .