مشاركة لا مغالبة شعار ذائع طرحته جماعة الإخوان المسلمين في سعيها لطمأنة القوي السياسية والحزبية والأقباط قبل الانتفاضة الثورية في25 يناير2011 وبعدها. من هنا رحب بعض المفكرين والمثقفين الوطنيين المستقلين بنتائج الانتخابات التي أسفرت عن فوز الجماعة بأغلبية المقاعد, وذلك علي الرغم من انتقاداتهم الموضوعية والرصينة للعملية السياسية والتعديلات الدستورية التي شكلت هندسة سياسية متحيزة لصالح تواطؤات, في نظر بعضهم وتفاهمات بين طرفي القوة الرئيسة في البلاد, المجلس العسكري, وجماعة الإخوان ومعهم الجماعات السلفية علي اختلافها. احترم بعض الثقاة من كبار المثقفين نتائج الانتخابات رغما عن عديد الممارسات السلبية لغالب التيار السياسي الإسلامي, ومنها ما يلي: التلاعب بشعارات الهوية, والشريعة, ومواجهة العلمانية والليبرالية إلي آخر هذا النمط من استراتيجيات تشويه المصطلحات السياسية والفلسفية, وقلب معانيها ودلالاتها وتحويلها إلي مجال الثنائيات الضدية الحلال والحرام رغما عن أنها خارج هذا النمط من التبسيطات التي يمارسها بعض العقل الدعوي التبسيطي, والذي يغلب النزعة الشعاراتية, والمخاتلة, والكذب وقلب الحقائق إزاء المخالفين لبعض الجماعات السياسية الإسلامية وخطابها, وأيديولوجياتها ومصالحها. تقديم السلع والخدمات والإعانات لبعض المواطنين قبل الانتخابات وفي أثنائها من أجل الحصول علي أصواتهم. بعض الأخطاء التي شابت الدعاية الانتخابية علي خلاف القواعد التنظيمية التي حددتها اللجنة العليا للانتخابات بخصوص ميزانية الدعاية, أو توقيتاتها أو استخدام الشعارات الدينية ودور العبادة. الترحيب كان تعبيرا عن رغبة حقيقية في ضرورة البدء بالعملية الديمقراطية وتكريس ثقافة الحرية وحقوق الإنسان وتصفية ميراث من التسلطية والطغيان السياسي الذي أدي إلي حالة تخلف تاريخي في جميع مناحي الحياة المصرية ومنها: أ انساق القيم وأنماط السلوك وأساليب التفكير, وتردي التعليم المدني والديني, وتخلف الفكر الديني الإسلامي والمسيحي وتراجع مستويات الفقه واللاهوت, ب ضعف الدولة وهياكلها ومستويات المورد البشري المصري. ج انحطاط مستويات تكوين ومهارات غالب النخب السياسية علي اختلاف أطيافها السياسية. كان الترحيب السياسي تعبيرا عن إيمان عميق بأن الإسلام لا يتناقض مع القيم والتقاليد الديمقراطية والحداثوية بل ما بعدها وعلي خلاف ما يطرحه بعض الغلاة من المتزمتين والمتطرفين الذين يقيمون سدودا بين العقائد والقيم الإسلامية الفضلي, وثقافة عصرنا وقيمه وتقاليده وحرية الفرد والمجتمع, وذلك من خلال رؤي تقليدية وانتقائية تحاول تسييد بعض الفقه والتأويل الإسلامي المتشدد الذي ساد في بعض مراحل تطور المجتمعات العربية الإسلامية في ظل ظروف وسياقاتها وضغوط وأسئلة تاريخية. يحاول هؤلاء أن يهيمنوا علي حياة الدولة والمجتمع المصري المتعدد من خلال استعاراتهم السياسية لبعض الفقه الإسلامي التاريخي والتأويل الديني المحافظ والمتشدد. من هنا كان الترحيب بنتائج الانتخابات أيا كانت الملاحظات حولها للانتقال إلي الحكم المدني, والثقافة المدنية, والنظر في كيفية مواجهة تخلف مصر التاريخي جوهر المسألة المصرية وهي معالجة في العمق لرجل الشرق الأوسط المريض بأزماته البنائية الممتدة, الذي تحول لموضوع للتنافس الدولي والإقليمي من أمريكا وإسرائيل ودول البداوة النفطية , وضرورة السعي لاستعادة دورنا ومكانتنا في الإقليم بل والعالم. من أسف كانت تصرفات التيار الإسلامي بقيادة جماعة الإخوان وحزبها, تقويضا للأمل في هذا المسعي السياسي, وانقضاضا علي فكرة بناء التوافقات والأرضيات المشتركة, وذلك من خلال عديد الممارسات يمكن إيجازها فيما يلي: 1 غياب المصداقية ونقض العهود والوعود التي قطعوها علي أنفسهم, وبرز ذلك في المغالبة والهيمنة علي اللجنة التأسيسية المنتخبة. 2 نمط من الممارسة البرلمانية التي تخلط بين وظائف البرلمان, والسلطتين القضائية والتنفيذية, والميل إلي لغة الشعارات, بما كشف عن ضعف في مستويات التكوين والأداء, وغياب المسئولية السياسية والتاريخية. 3 طرح مرشح للانتخابات الرئاسية علي خلاف وعودهم. 4 الهجوم الضاري علي حرية الصحافة والإعلام واعتبار الجماعة الصحفية بمثابة سحرة فرعون.. إلخ. 5 محاولة الانقضاض علي حقوق المرأة والطفل تحت دعاوي تأويلية محافظة, وللأسف من نساء الإخوان بما يتناقض مع آراء اعتدالية في الفقه, وبما يتنافي مع الاتفاقيات الدولية التي وقعت وصادقت عليها مصر. أساليب عمل وتفكير إخوانية تشكل مشكلة كبري, وتنطوي علي عديد المخاطر سواء داخليا, أو دوليا وبما قد يؤدي إلي صراعات ضارية داخليا, وإلي عزلة وحصار لمصر, وهي أمور بالغة الخطورة, لأنها تعني أن الانتفاضة الثورية تمت هزيمتها كنتاج لطمع طرفي معادلة القوة الإخوان والسلفيين والسلطة الفعلية وفلول النظام. اعتقد بعضهم أن المحن أفادت الجماعة من حيث الخبرة والفكر السياسي الإستراتيجي والبراجماتي. لكن يبدو أن نشوة الانتصار والغلبة البرلمانية أدت إلي هيمنة نزعة تسلطية سياسية جديدة لا تحمل الخير لمصر, ولا مستقبل الإخوان الجماعة والحزب! ولا امكانية معالجة المسألة المصرية. المزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح