تناولنا الأحزاب السياسية ودورها فى التحول الديمقراطى فى مصر فى العديد من المقالات السابقة باعتبارها من أهم مقومات التحويل الديمقراطى كما أكد الدستور فى مادته الخامسة أن النظام السياسى فى مصر يقوم على التعددية الحزبية والسياسية، ولا يمكن أن تنضج التعددية الحزبية فى مصر بدون مناخ سياسى فى المجتمع يساعدها على التواصل مع الجماهير. كما أن نضج هذه التعددية الحزبية يتطلب تطوير أوضاعها الداخلية بحيث تتحول هذه الأحزاب إلى مؤسسات لها هياكلها ومستوياتها القيادية وأسس محددة تكفل قيام علاقات بين هذه المستويات يلتزم بها الجميع ويتحقق من خلالها دور محدد لكل مستوى قيادى يكفل قيام الحزب بدوره فى المجتمع وفق أسس موضوعية تتيح للحزب القدرة على كسب عضوية جديدة واستيعاب هذه العضوية فى البناء الداخلى بما يساعد الحزب على تحقيق مزيد من الفاعلية فى المجتمع . وبالنظر إلى الوضع الحالى للأحزاب السياسية نلاحظ أن معظمها يفتقد هذه العوامل مما أدى إلى عدم قدرتها على النمو والانتشار فى المجتمع وهو ما يحتاج إلى إعادة النظر فى البيئة السياسية التى تنشط فيها هذه الأحزاب وبما يسمح لها بالتواصل مع المواطنين فى كل المحافظات كما يتعين أن تعيد هذه الأحزاب النظر فى أوضاعها الداخلية بما يحقق تحولها إلى أوضاع مؤسسية. فقد حاصرت الأحزاب السياسية منذ نشأتها عام 1976 مجموعة من القيود الخارجية عطلت نموها وحالت دون قيامها بدورها الأساسى فى المنافسة على الحكم، وقد انعكس هذا الوضع بالسلب على الأحزاب السياسية فلم تعد قادرة على القيام بمعظم وظائفها المتعارف عليها فى النظم السياسية الديمقراطية، حيث أنها تفتقد الديمقراطية الداخلية، وتتصارع قياداتها، وينبذ رؤساؤها الطموحات المشروعة للكوادر البازغة بها يقيناً منهم باستحالة انشقاقهم وتأليف أحزاب جديدة فى ظل قانون الأحزاب الذى تضمن العديد من القيود التى تحول دون قيام أحزاب جديدة. وبعبارة أخري، اتسمت الأحزاب السياسية ببنية تنظيمية هشة، وافتقرت إلى نظام معلوماتى سليم، كما أن غالبيتها كان أقرب فى تعاملاته الداخلية إلى النمط العائلى، فقد كانت الكثير من مؤسساتها تشكل بالتعيين، أو بانتخابات يطعن فى نزاهتها آخرون من داخل الحزب. فضلاً عن الأزمة المالية نتيجة التمويل المحدود، الأمر الذى أثر على صحافتها التى تعد المنصة الوحيدة تقريباً لمعرفة بعض المواطنين بوجودها. لكل هذه الأمور فإن هناك استحالة فى أن تتطور الأحزاب السياسية المصرية حتى بعد رحيل النظام السلطوى إلا عبر نظام داخلى ديمقراطي، وما يتطلبه تطبيقه فى المؤسسات الحزبية من أسس ومبادئ لا غنى عنها، تتمثل فيما يلى: وضع الهياكل والأسس الضامنة للتداول السلمى للسلطة داخل الأحزاب السياسية: وذلك كله عوضاً عن الوضع الحالى المتعلق باستبداد القيادات وسلطوية اتخاذ القرار، والذى يجد صداه ليس فقط فى لوائح الأحزاب، ولكن أيضاً فى التطبيق إذا ما اتسمت بعض تلك اللوائح بالديمقراطية. إعمال قواعد الديمقراطية الداخلية فيما يتعلق: بانتخاب المستويات التنظيمية فى الأحزاب السياسية، وذلك بعيداً عن قواعد التزكية أو التعيين المعمول بها فى أغلب الأحيان. تطبيق مبدأ ديمقراطية اتخاذ القرار الحزبى: وذلك بعيداً عن قواعد التراضى وتوافق الآراء التى أصبحت سائدة فى العمل الحزبى الراهن. التأكيد على دورة عقد المستويات التنظيمية للحزب: باعتبارها الضمانة الرئيسية للعملية الديمقراطية، وذلك مقابل شكلية تلك المستويات سواء على الصعيد المحلى أو القومى، وكذا تكلس تلك المستويات. إعمال قواعد الشفافية والرقابة الكاملة: على جميع المستويات الحزبية التنظيمية بغض النظر عن موضوعها، لاسيما مايتعلق منها بمالية الحزب السياسى، بدلاً من حالة الفساد والإفساد الراهن، والذى أوصل خلافات الأحزاب وكثير منها خلافات مالية لساحات القضاء والمحاكم. ولكى تتحقق هذه المقومات فى بنية الحزب فإن القيادات الحزبية مطالبة بالبدء فى تشكيل النواة التى سيتعمد عليها الحزب فى هذا التطوير من خلال التركيز على الأعضاء النشطين فى المستويات القاعدية وعلى المستوى المركزى و تسكينهم فى وحدات أساسية فى المواقع الرئيسية فى مختلف أنحاء الجمهورية و إدارة حوار ديمقراطى معهم حول القضايا الأساسية للمجتمع المصرى الآن وتزويدهم بالثقافة السياسية التى تؤهلهم للقيام بدورهم فى المجتمع حول مشاكل المواطنين، وبهذا يتوافر للحزب جماعة حزبية فى كل موقع تمارس دورها الجماهيرى متسلحة بالوحدة الفكرية والخبرة التنظيمية والقدرة على التأثير فى المجتمع بما يمكنها من كسب نفوذ حقيقى فى هذه المواقع. والانطلاق من هذا الوضع إلى استكمال مقومات الحزب مثل انتخاب الهيئات القيادية وتحديد العلاقات بينها حيث تتمكن خلال فترة مناسبة من المساهمة فى الحياة السياسية للبلاد والاستعداد للمشاركة فى الانتخابات النيابية والمحلية التى ستكون المعيار الحقيقى لقدرة هذا الحزب المنافسة على السلطة من خلال انتخابات حرة ونزيهة. لمزيد من مقالات عبدالغفار شكر