للعشر الأواخر من رمضان عند النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه أهمية خاصة ولهم فيها هدى خاص، فقد كانوا أشد ما يكونون حرصاً فيها على طاعة الله عز وجل، والعبادة وقيام الليل وتلاوة القرآن، ومن أهم حُسن استغلال العشر الأواخر إحياء الليل، الذى كان يحرص النبي، صلى الله عليه وسلم، حرصا شديدا على قيامه فى تلك الأيام. مراد الإنسان فى الحياة هو العتق من النار وقد دلنا النبي، صلى الله عليه وسلم على أعمال إذا قمنا بها كانت سببًا لعتق رقابنا من النَّار ، فلنحاول القيام بها جميعًا أنْ نجعل منها برنامجًا يوميًا ومشروعًا إيمانيًا، يتضمن النجاة من النار، والعمل باجتهاد من أجل دخول الجنة. وأكد العلماء أن الإخلاص فى العبادة سبب من أسباب العتق من النار، وأيضا اجتناب السبع الموبقات، وهناك أعمال كثيرة تكون سببا فى العتق من النار، أهمها تنظيف القلوب من الغل والأحقاد، وأن يحسن الإنسان إلى جيرانه، ويعامل الناس بالحُسنى. ويقول الدكتور عبدالوارث عثمان أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أنه ثبت فى الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد مئزره (ومعنى إحياء الليل أى استغرقه بالسهر فى الصلاة والذكر وغيرهما)، ومن الأعمال الجليلة فى هذه العشر إيقاظ الرجل أهله للصلاة، فقد كان من هديه عليه الصلاة والسلام فى هذه العشر أنه يوقظ أهله للصلاة كما فى البخارى عن عائشة، وهذا حرص منه عليه الصلاة والسلام على أن يدرك أهله من فضائل ليالى هذا الشهر الكريم ولا يقتصر على العمل لنفسه ويترك أهله فى نومهم، كما يفعل بعض الناس وهذا لاشك خطأ وتقصير ظاهر من رب البيت حينما لا يوقظ أهل بيته للصلاة لأنه مسئول مسئولية كاملة عن أهله، ومن هدى النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان ينشغل بالعبادة فى العشر الأواخر ويعتزل النساء، وتصفو نفسه عن متطلبات الدنيا، وهذا يعلمنا أن هذه الأيام هى فرصة لكل مسلم ألا تشغله الدنيا عن الصلاة والقيام وتلاوة القرآن فى ليل رمضان، حتى تسمو الروح إلى معارج القبول، ومما ينبغى الحرص عليه أيضا فى مثل هذه الأيام هو الاعتكاف فى المساجد، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم كان يعتكف فى العشر الأواخر حتى توفاه الله تعالى، فبقدر ما يستطيع الإنسان أن يتقرب إلى الله فى هذه الأيام بالأعمال الصالحة ويخلص النية لله عز وجل، سيكافئه الله عز وجل بإدراك ليلة القدر، التى هى خير من ألف شهر. احذروا ضياع الوقت ويقول الشيخ إبراهيم حافظ من علماء الأزهر، إن من أهم الأعمال فى مثل هذه الأيام تلاوة القرآن بتدبر وتمعن ليتذوق الإنسان حلاوته، فليحذر المسلم حينما يكون معتكفا من ضياع الوقت فى إعداد الطعام أو التحدث مع زملائه من المعتكفين فى أمور الدنيا، وفضول الصحبة وغير ذلك من الصوارف التى تفرق أمر القلب وتفسد اجتماعه، أو كثرة الخروج لقضاء حاجاته ولا يجدد نية الاعتكاف، لأن من أسرار الاعتكاف النية الخالصة لله وصفاء القلب والروح، وكما ذكر العلماء أنها أفضل ليالى السنة على الإطلاق، فقد اختصها الله بمزيد الفضل والإنعام والخيرات والكرامات والعتق من النار وشرفها الله بوجود ليلة القدر المباركة فيها، ومن خصائصها، أن النبي، صلى الله عليه وسلم كان إذا دخلت العشر الأواخر شمر عن ساعده وتفرغ فيها لطاعة الله تعالى، وجد واجتهد وخصها بأعمال لا يعملها فى أول الشهر فكان يحيى الليل كله بالصلاة وقراءة القرآن والدعاء ويوقظ أهله. ففى صحيح مسلم عن عائشة رضى الله عنها: (أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يجتهد فى العشر الأواخر ما لا يجتهد فى غيره)، وهذا دليل على أن لهذه العشرة أيام مزيد فضل وشرف على غيرها من مضاعفة الأجور فيها والعتق من النار ولأن ليلة القدر ترجى فى لياليها وبها بركات كثيرة، كما أن الله تعالى يغفر لمن قبل صيامه وقيامه فى آخر ليلة منها لما صح عن النبي، صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أعطيت أمتى خمس خصال فى رمضان لم تعطهن أمة من الأمم قبلها خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.... إلى أن قال: ..... ويغفر لهم فى آخر ليلة قيل يا رسول الله أهى ليلة القدر قال لا ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله) رواه الإمام احمد والبيهقي، فهنيئاً له وعليه أن يحسن التمام وليحمد الله على أن وفقه لطاعة مولاه ويسأله سبحانه القبول وحسن الختام. أسباب العتق ويقول الدكتور رمضان عطا الله رئيس قسم التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر، إن العتق هو العزة بعد مذلة للإنسان بالمعاصى التى تهلكه، ويأتى العتق ليكون طوق النجاة بعد ذل المعاصى للإنسان، ويقول النبى صلى الله عليه وسلم: (إن لله تعالى عتقاء فى كل يوم وليلة، وإن لكل مسلم فى كل يوم وليلة دعوة مستجابة) رواه الإمام أحمد، وقال صلى الله عليه وسلم أيضا، ( إن لله عز وجل عند كل فطر عتقاء) رواه أيضا الإمام أحمد، وهذا يدلنا على أن نبذل الجهد فى الإتيان بالأسباب التى بها يكون فكاك الرقاب من النار، وخاصة أن الشياطين مصفدة، ومن تلك الأسباب التى دلنا عليها النبى صلى الله عليه وسلم لعتق رقابنا، هى الإخلاص لله، سواء فى الطاعة أو العمل، وإصلاح الصلاة بإدراك تكبيرة الإحرام، والنبي، صلى الله عليه وسلم يقول: (من صلى لله أربعين يوما فى جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان: براءة من النار وبراءة من النفاق) رواه الترمذي. وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار)، والإنسان إذا أدرك المغفرة فى رمضان كانت سببا فى عتقه من النار.