وزير الصحة: العزوف عن مهنة الطب عالميا.. وهجرة الأطباء ليست في مصر فقط    محمود محيي الدين: الأوضاع غاية في التعاسة وزيادة تنافسية البلاد النامية هي الحل    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    بايدن: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية    فرنسا: ندعم المحكمة الجنائية الدولية واستقلالها ومكافحة الإفلات من العقاب    هل يرحل زيزو عن الزمالك بعد التتويج بالكونفدرالية؟ حسين لبيب يجيب    «بيتهان وهو بيبطل».. تعليق ناري من نجم الزمالك السابق على انتقادات الجماهير ل شيكابالا    تعرف على استخدامات شات جي بي تي    نتيجة الشهادة الإعدادية البحيرة 2024.. موعد الظهور وكيفية الحصول على الدرجات    أحمد حلمي يغازل منى زكي برومانسية طريفة.. ماذا فعل؟    «في حاجة مش صح».. يوسف الحسيني يعلق على تنبؤات ليلى عبداللطيف (فيديو)    وزير الصحة: القطاع الخاص قادر على إدارة المنشآت الصحية بشكل اكثر كفاءة    خط ملاحى جديد بين ميناء الإسكندرية وإيطاليا.. تفاصيل    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    سائق توك توك ينهي حياة صاحب شركة بسبب حادث تصادم في الهرم    مندوب مصر بالأمم المتحدة: العملية العسكرية في رفح الفلسطينية مرفوضة    واشنطن: نرفض مساواة المحكمة الجنائية الدولية بين إسرائيل وحماس    مبدعات تحت القصف.. مهرجان إيزيس: إلقاء الضوء حول تأثير الحروب على النساء من خلال الفن    مصطفى أبوزيد: احتياطات مصر النقدية وصلت إلى أكثر 45 مليار دولار فى 2018    7 مسلسلات وفيلم حصيلة أعمال سمير غانم مع ابنتيه دنيا وايمي    الخميس آخر يوم فى الموجة شديدة الحرارة.. الأرصاد تبشر المواطنين    وزيرة التعاون الدولي تُشارك في فعاليات المؤتمر الإقليمي للطاقة من أجل المرأة    اتحاد منتجي الدواجن: السوق محكمة والسعر يحدده العرض والطلب    التصريح بدفن جثمان طفل صدمته سيارة نقل بكرداسة    الاحتلال يعتقل الأسيرة المحررة "ياسمين تيسير" من قرية الجلمة شمال جنين    وكيل "صحة مطروح" يزور وحدة فوكة ويحيل المتغيبين للتحقيق    إبراهيم عيسى: حادثة تحطم طائرة الرئيس الايراني يفتح الباب أمام أسئلة كثيرة    وزير الصحة: 5600 مولود يوميًا ونحو 4 مواليد كل دقيقة في مصر    إصابة شخصين في حريق شب بمزرعة بالفيوم    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    "رياضة النواب" تطالب بحل إشكالية عدم إشهار22 نادي شعبي بالإسكندرية    جدول مباريات الدوري المصري اليوم والقنوات الناقلة    ميدو: غيرت مستقبل حسام غالي من آرسنال ل توتنهام    وزير الرياضة يهنئ منتخب مصر بتأهله إلي دور الثمانية بالبطولة الأفريقية للساق الواحدة    طبيب الزمالك: إصابة أحمد حمدي بالرباط الصليبي؟ أمر وارد    الدوري الإيطالي.. حفل أهداف في تعادل بولونيا ويوفنتوس    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    بعد ارتفاعها ل800 جنيها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي «عادي ومستعجل» الجديدة    بوتين: مجمع الوقود والطاقة الروسي يتطور ويلبي احتياجات البلاد رغم العقوبات    كيف أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي؟.. مصطفى أبوزيد يجيب    إجازة كبيرة رسمية.. عدد أيام عطلة عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات لموظفين القطاع العام والخاص    إيران تحدد موعد انتخاب خليفة «رئيسي»    أطعمة ومشروبات ينصح بتناولها خلال ارتفاع درجات الحرارة    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 21-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    متى تنتهي الموجة الحارة؟ الأرصاد الجوية تُجيب وتكشف حالة الطقس اليوم الثلاثاء    على باب الوزير    «حماني من إصابة قوية».. دونجا يوجه رسالة شكر ل لاعب نهضة بركان    سعر الدولار والريال السعودي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    بدون فرن.. طريقة تحضير كيكة الطاسة    تكريم نيللي كريم ومدحت العدل وطه دسوقي من الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية    وزير العدل: رحيل فتحي سرور خسارة فادحة لمصر (فيديو وصور)    مدبولي: الجامعات التكنولوجية تربط الدراسة بالتدريب والتأهيل وفق متطلبات سوق العمل    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكر جميل مطر ل"الأهرام" : العالم يعيش فى ثورة حقيقية
تحول النظام الإقليمى العربى بدأ عندما تخلى الحكام عن عقيدة النظام وهى العروبة
نشر في الأهرام اليومي يوم 11 - 06 - 2015

ما هو مستقبل النظام الإقليمى العربي؟ هل هناك «سايكس بيكو» جديدة للمنطقة؟ كيف يتم وقف خطر الأزمات الطائفية فى الوطن العربي؟ هل النظام العربى القائم ينهار؟ وهل هناك نظام جديد سيظهر فى المنطقة؟ أين ذهب حلم الديمقراطية والحرية والكرامة؟
هل حقا أمريكا هى التى شجعت على ظهور المارد الدينى أو المذهبى فى المنطقة؟ ولماذا ؟ وهل هى التى دعت إلى قيام حكومات دينية فى العالم العربي؟
أسئلة كثيرة صعبة ومعقدة توجهنا بها إلى المفكر والكاتب الكبير جميل مطر بحثا عن إجابة حقيقية صحيحة وتحليل صادق مبنيا على عمق الرؤية، ووضوح الصورة.
وجميل مطر من أكثر الكتاب العرب اهتماما بقضايا الاصلاح والتحول الديمقراطى فى الوطن العربي.. وهو من أبرز المحللين السياسيين.. ذهبنا إليه نحمل الكثير من تلك الأسئلة المركبة عن واقع صعب وقد يكون مخيفا.. وإليكم نص الحوار:
الأهرام: السؤال الذى يطرح نفسه على الجميع.. قادة وحكومات ونخبة ومثقفين: ما هو مستقبل النظام الإقليمى العربي؟.. هذا السؤال يطرح دائما مع كل أزمة.
أى مناقشة للنظام الإقليمى العربى أو أحوال المنطقة العربية بشكل عام لابد أن تبدأ من واقع نعيش فيه.. يشهد هذا الواقع بأن العلاقات الدولية تمر فى مرحلة ثورة حقيقية، بمعنى أن أغلب ما تعارفنا عليه من مؤسسات دولية وأيديولوجيات وقواعد سلوك، وبخاصة سلوكيات الدول الكبري، يتغير أو لعله تغير بالفعل، النظام الدولى الذى انشأ فى ظله النظام الإقليمى العربى فى ظله تغير، الدولة العظمى وأقصد أمريكا، التى قادت هذا النظام بالمشاركة مع الاتحاد السوفيتى أو قادته فى مرحلة أخرى منفردة، هى الآن وأمام أعيننا المنبهرة بما يحدث من حولنا نراها تنسحب من موقع القيادة المنفردة.. نرى أيضا وبعيون لا تزال منبهرة دولة تحاول الصعود وفى نيتها المشاركة فى القيادة، وأقصد الصين.
أشعر بعلامات قلق تسربت إلى وجهك خوفا من أن أسترسل فى قضايا خارج الموضوع, إذ كما سبق وقلت إننا نحن مرحلة ثورة فى منظومة العلاقات الدولية والنظام العربى جزء أصيل فى هذه المنظومة يؤثر فيها ويتأثر بها ربما أكثر من أى نظام إقليمى آخر، لذلك كانت هذه المقدمة ضرورية لتوضيح أوجه الشبه فى بعض التطورات الواقعة على مستوى النظام الدولى والتطورات الحادثة على مستوى نظامنا الإقليمي. هناك فى النظام الدولى دولة عظمى تنسحب بإرادتها ولا تحاول خلال انسحابها منع دولة أخرى منافسة من أن تجرب حظها فى الصعود إلى موقع القمة لتشاركها فى القيادة، أما الدولة الصاعدة فنراها حريصة على ألا تتصرف دوليا وإقليميا تصرفات تحرج الدولة الأعظم التى عزمت على الانسحاب، هذه الصورة عن حال النظام الدولى فى مرحلته الراهنة صورة نادرة فى تاريخ العلاقات الدولية، وحسب معلوماتى لم أسمع عن تجربة فى تاريخ صعود الأمم وانحدارها أن تتغير قيادة دولية على هذا النحو.
أعود لتأكيد أن هذه المقدمة ضرورية، ولدى أسباب ثلاثة على الأقل. لقد عاش النظام العربى عقودا تحت الهيمنة الامريكية.. هيمنت أمريكا خلالها بانتهاج سياسات عداء سافر لبعض دول النظام وبسياسات صداقة وتحالف تجاه دول أخري. وفى غالب الأحوال لم تعرف الدول العربية خلال السبعين عاما الماضية هيمنة أخري.. عرفناها عنيدة فى عدائها وثابتة فيه وعرفناها ملتزمة إلى حدود قصوى بأمن وسلامة حلفائها. عرفناها مهيمنة وقوية الالتزام.. وفجأة انحسرت الهيمنة أو على الأقل جانب كبير منها، وفجأة اكتشفنا أن أمريكا ليست عنيدة فى عدائها لخصومها وليست وفية لحلفائها وخصومها كالعهد بها. هنا كان يجب أن نتوقع أن تحدث تغيرات جذرية فى النظام العربى المفاجأ بأمريكا شديدة الاختلاف، والمفاجأ بفراغ فى الهيمنة لم يعهده من قبل، والمفاجأ بأمريكا تتخفف من أطلسيتها وتتجمل آسيويا وتغض الطرف عن الشرق الأوسط.
الأهرام: من يتابع ما تكتبه عن النظام العربى يشعر أنك كنت تولى قضية عقيدة النظام العربى وقضية دور مصر الإقليمى أهمية كبيرة فى تفسير الأزمة الراهنة التى يمر بها النظام العربي، أهمية ربما تجاوزت فى كتاباتك السابقة الأهمية التى توليها الآن لقضية التحول فى النظام الدولى والانحدار الأمريكى وانسحاب الولايات المتحدة المتدرج من الشرق الأوسط.
أخشى أن تجرينى بمثل هذه الملاحظة الذكية الى حديث يطول عن ترتيب مستويات التحليل وشرح الظواهر والتغيرات، وأى ترتيب ومستوى أجدى من غيره. بمعنى آخر نستطيع فهم الظاهرة وأسبابها ومستقبلها بدءا بالمستوى الأوسع من التحليل، الدولى مثلا كما فعلنا عند الحديث عن التحول فى السياسة الأمريكية، ثم بالمستوى الإقليمي، وهنا سيتعين علينا الاهتمام مثلا بالتغيرات التى حدثت فى الإمكانات العربية كالنفط والنمو الاقتصادى ودرجة التكامل وحجم التعاون العسكري، يتعين علينا أيضا الاهتمام بكل ما أصاب عقيدة النظام السياسية من تغير، ونسأل السؤال الجوهرى عن علاقة الربيع العربى بالتغيرات التى حدثت فى إمكانات النظام وعقيدته السياسية، ولدى كما تعرفين رأى واضح فى هذا الشأن، ألخصه لك فى عبارة موجزة. لقد نتج عن الحرب طويلة الأمد التى شنتها قوى عربية وأجنبية ضد عقيدة النظام فراغ أيديولوجي، تسبب بدوره فى انكفاء مجتمعات عربية عديدة على هوياتها الثانوية، وفى ظل الانكفاء تحول اختلاف الرؤى بين مختلف الهويات إلى نزاعات ثم صراعات إقليمية، والآن صارت خلافات هوياتنا صراعات إقليمية ودولية.
الأهرام: ولكن كنت أظن أن اهتمامك بقضية دور مصر يفوق اهتمامك بالقضايا الأخرى التى جسدت الأسباب وراء ما أطلقت عليه تدهور النظام العربي، ومؤشرات صياغة نظام إقليمى آخر؟
معك الحق.. فقضية الدور احتلت مساحة كبيرة من اهتمام المصريين ومازالت تحتل اهتمام كثيرين من العرب. وهى قضية حساسة وبالفعل أسيء استغلالها إلى حد الإضرار بالمصالح المصرية. أسيء استغلالها فى داخل مصر عندما صارت موضوع مزايدات وطنية دون الانتباه إلى خطورة الآثار المترتبة عن استمرار الضغط بها على صانع السياسة فى مصر، فى أوقات وأوضاع غير مناسبة. الخطورة نفسها تكررت عندما تكاثرت وتكاثفت الضغوط العربية، وأكثرها صادق النية وبعضها يضمر شرا، إذ تسببت فى تغيير بعض أولويات الحكم فى مصر. أنا شخصيا أظن أن كثيرا من التطورات الأخيرة جدا فى نمط القيادة والتوجيه فى النظام العربي، وفى نمط التحالفات العربية وفى شكل توزيع القوة داخل مجالس الجامعة العربية ومنظماتها المتخصصة جاء نتيجة هذا الانفلات فى تعظيم الضغوط على مصر لتمارس دورا أو أدوارا هى بالتأكيد لم تكن مستعدة للوفاء بمتطلباتها.
الأهرام: كلمة العقيدة قد لا تعنى الشيء نفسه لدى كل الناس. أعرف أنك تكاد تضع العقيدة فى مكانة «المخلص» إذا ما ضاقت كل السبل بالنظام العربى ليتحرر من الخوف والشكوك وهموم الانفراط والفتن الطائفية.
العقيدة تشبه مادة الصمغ التى تمسك الأجزاء ببعضها البعض.. هذا النظام نشأ على الاقتناع بالعروبة تحت مسميات مختلفة منها القومية العربية ووحدة الثقافة العربية والمصير المشترك. مشاعر تؤدى الى المعنى نفسه وجميعها معا تشكل مفهوم عقيدة النظام.. هذه العقيدة دخلت عليها أمور كثيرة.. بداية لابد ان نقول ان النظام العربى مر بثلاث مراحل أو حقب أساسية: المرحلة الأولى هى مرحلة النشأة حين كانت فكرة العروبة الفكرة الأم إن صح التعبير، ثم دخلت مرحلة تعدد الاختيارات وهبطت العقيدة الثقافية للنظام وصعدت عقائد اخرى بعضها دينى الأساس. هذا التطور أدخل النظام فى مرحلة جديدة من التشتت بحثا عن إجابات عن سؤال شديد التعقيد على الأقل بالنسبة لرجل السياسة فما بالك بالمواطن العربى العادي.
العرب فى البداية عندما كانوا يفكرون فى العروبة كانت هوية النظام بالنسبة لهم واضحة لان العروبة مفهوم يرسم حدودا .
بهذا المعنى كان للنظام الإقليمى العربى، فى فهم المواطن، حدود خارجية تفصل بين ما هو عربى وماهو غير عربى.. المشكلة التى اثارها اختيار عقائد أساسها دينى تعلقت بمسألة حدود النظام، أين تبدأ وأين تنتهى . العقيدة الدينية فى أى مكان بالعالم لا تصنع حدودا للنظام الإقليمي.. يعرف الأن أنه فور سماع أن عقيدة النظام العربى أصبحت دينية بدأ التفكير فى حق إيران فى عضوية هذا النظام الجديد وكذلك تركيا.. وتشاد أيضا وقد طرحت بالفعل مسألة انضمامها للجامعة العربية.. ولم لا؟ ألم يحدث أن دولا عربية شجعت الصومال ثم جزر القمر على الانضمام للجامعة العربية . هكذا حطمنا الحدود الخارجية للنظام العربى باسم العقيدة الدينية.
الآن.. تثار ازمة جديدة، ليس فقط فى العالم العربى وانما فى الشرق الأوسط بكامله، وهى أن بعض الأصوات العربية تعلن رفضها السماح لإيران بالتدخل فى شئون النظام الإقليمى العربي.. والسؤال الصادر من الطرف الآخر يبدو فى ظاهره على الأقل منطقيا. يسألون لماذا هذا الموقف؟ إيران تقول أنا دولة إسلامية وعقيدة النظام العربى الآن أصبحت إسلامية، فلا شيء يفصل بيننا الآن ولا حدود، كان هناك فاصل فى السابق ، عندما كانت العقيدة الخاصة بكم هى عروبتكم.
الأهرام: أعرف أن لك موقفا واضحا من حديث المؤامرة فى صنع مستقبل المنطقة.. هل ما يحدث فى الدول العربية من تغييرات جذرية.. ثورات.. وتغيير أنظمة.. قلاقل.. صراعات.. هل مايحدث مخطط خارجى لتغيير الخريطة القديمة للوطن العربي؟
موقفى واضح من كل احاديث المؤامرة ومن هذا الحديث بوجه خاص.. كلنا خطرت على أذهاننا على مر السنين أفكار لتغيير خرائط الإقليم. حكام عرب كانوا يحلمون بضم دول عربية مستقلة إلى دولهم، لم يكن مخططا أو مؤامرة.. حلم نورى السعيد ضم سوريا، ولا كانت مؤامرة الملك عبدالله ضم الضفة الغربية إلى مملكته الهاشمية ونفذها وعاقبته جامعة الدول العربية، واختارت حكومتا سوريا ومصر تغيير جانب من خريطة المنطقة بإقامة وحدة اندماجية بينهما، وحاول الرئيس صدام حسين ضم الكويت بالقوة وعوقب بشدة من جانب قوى فى النظام العربى وقوى دولية.
وبالمناسبة تختلف تماما ظروف نشأة الوطن العربى فى أساسه عما يحدث الان فى المنطقة، النظام العربى نشأ عندما قررت انجلترا فى 1943 أن تتحمل هذه الدول العربية مسئولية ترتبت على استقلالها.. خرجت انجلترا بفكرة جامعة الدول العربية بعد أن رأت فى العشرين سنة السابقة، أن أفكار العروبة والقومية تنتشر فى المنطقة، وأن هذه المنطقة يجب أن تتوحد فى نظام عربى واحد.. شجعت بريطانيا هذا التوجه، على أمل أن يقلل وجود مصر فى هذه المنظمة من احتمالات الصراع التى يتوقع الإنجليز أن تنشب بين دول المشرق العربي، وهى العراق وسوريا والأردن وفلسطين، وتم تنفيذ الفكرة.
عندما نقارن بين ماحدث فى الماضى ويحدث الآن، نكتشف أن أهل الأربعينيات من السياسيين والمثقفين لم يعتبروا ما حدث عند النشأة كان نتيجة مؤامرة لم توجد آنذاك مؤامرة ولا توجد الآن مؤامرة.. كان رأيى ولايزال أن من يتكلم عن المؤامرة لابد أن يكون قد فشل فى تحقيق ما يريد أو خاب أمله لأن خصومه كسبوا معركة خرج منها خاسرا!
فعلنا هذا بعد 67 وفى 56 وفى أزمات الربيع العربي.. دائما نقول هذه مؤامرة خارجية!! ما حدث فى الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضى هو أنه كان هناك توجه وحدوى فى الوطن العربى وصعود عام فى أفكار إقامة دول قومية على النمط الأوروبي، وفورا تدخل الانجليز، وطرحوا فكرة النظام الإقليمى العربى او الجامعة العربية خضوعا لهذا الرأى السائد فى المنطقة أو استجابة له، خاصة انهم وجدوا فيه أملا فى تخفيف ضغوط ومسئوليات الانتداب والوصاية. إذا تأملنا قليلا قد نكتشف أن هناك من يرى أحوالنا العربية مشجعة له على التخلص من مسئولية حفظ الاستقرار ومحاربة الإرهاب ليلقى بها على عاتق المتحمسين من العرب لشكل آخر فى حكم بلادهم أو الإقليم.
الأهرام: ماذا عن ثورات الربيع وعلاقتها بالنظام العربى ومستقبلهما معا؟
لاشك أن قيام ثورات الربيع العربي.. ألقى الضوء على حقيقة ناصعة لا تقبل التشكيك وهى أن هناك مظالم واسعة فى العالم العربى كله، هناك قمع وديكتاتورية وفقر شديد جدا، وأيضا لا مساواة بالغة غير موجودة فى أى منطقة اخرى فى العالم.. وبهذه المناسبة أود التذكير بأنه حين يكرر أو يقرر الرئيس باراك أوباما هذا التقييم للأوضاع العربية فإن هذا لا يعنى ولا يجب أن يعنى أنه دليل جديد يضاف إلى قائمة الدلائل على المؤامرة الخارجية ضد «الأمة العربية». هذه الشعوب تحركت، وهناك أزمات فى كل مكان، والناس غاضبون، وبالتالى إذا قيل إن الدول الغربية تدخلت، فهذا أمر طبيعى لأن الأرض ممهدة لهذا التدخل. قيل تدخلت حين شجعت تيارا معينا أو فئات معينة مثل بعض منظمات المجتمع المدنى أو كذا وكذا.. وفى رأيى كل هذه التحركات لا تقيم ثورة. الثورة تقوم إذا كان اهل البلد جاهزين ومشحونين بالثورة.. والتعبير الدقيق يقول كانت مجتمعات حبلّى بالثورة، أى أخذت وقتها لتحمل وتستعد للإنجاب. أما وقد أصررت على أن نتحدث عن الثورات.. فأنا بدورى أسأل هل هذه الثورات هى التى غيرت طبيعة النظام العربي؟ الإجابة طبعا بالنفي. لقد بدأ تحول النظام الإقليمى العربى عندما تخلى الحكام العرب عن عقيدة النظام وهى العروبة وراحوا يخترعون نظما تلفيقية تعتمد شكلا على العقيدة الدينية ولكن تناسب مشيئة امريكا والغرب. هنا بدأ النظام يتفتت، وذلك لان العقيدة الجديدة التى بدأ يعتنقها النظام الإقليمى العربى وهى الدين تصادف أنها تضم شيعة وسنة وأقليات.. فجأة وجدنا معظم الدول العربية تفكر فى تقسيمات دينية لم تكن موجودة أو مسموع صوتها عندما كانت هوية النظام هى الهوية العربية.
الأهرام: إذا كنت حقا تعتقد أن ثورات الربيع غير مسئولة عن الكارثة الراهنة فى النظام الإقليمى العربى فكيف تفسر تزامن تدهور الوضع العربى مع حالة الربيع العربي؟
أقولها وبمنتهى الوضوح.. إن مسئولية التدهور العربى فى السنوات الأخيرة تتحملها أمام التاريخ كل القوى التى شنت حربا متوحشة بكل المعايير على ثورات الربيع العربي. إن أغلب ما نعانى منه الآن، فى دول الوفرة كما فى دول الندرة ، وفى دول المشرق كما فى دول المغرب، وفى دول الخليج كما فى بقية أنحاء العالم العربي، يعود إلى الجهود المنسقة بعناية وبكرم هائل وبقوة قمع ساحقة وبأعمال تدخل عربية سافرة وصريحة فى شئون كل العرب، لوأد ثورات ترفض أن تختفي. هذه الجهود المعادية لثورات الربيع هى المسئول الأهم عن تدهور جميع أوضاعنا العربية.. وهى العامل الحاسم فى تعميق جذور هذه الثورات وليس نزعها.
انتهى اللقاء..ولم ينته الحوار حول تدفق الأسئلة الصعبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.