المسئولية تعنى شعور الإنسان بالتزامه أخلاقيًّا بنتائج أعماله الإرادية فيحاسب عليها إن خيرًا أو شرًّا بميزان العدل الإلهي: «فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه»، كما أن المسئولية فى ديننا الإسلامى تعنى أن المسلم المكلف مسئول عن كل شيء جعل الشرع له سلطانًا عليه أو قدرة على التصرف فيه بأى وجه من الوجوه، سواء كانت مسئولية شخصية فردية أم مسئولية مجتمعية. لذا فقد ألزم الإسلام أفراد المجتمع بتحمل المسئولية تجاه أسرهم ومجتمعهم، وهذا هو المعنى الحقيقى لتحقيق خلافة الإنسان فى الأرض؛ تلك الخلافة التى قوامها عبادة الله وعمارة الأرض، ومقاومة مَن يقف أمام العبودية والتعمير، وذلك يتحقق باستشعار قوله تعالى: «إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً»؛ إلا أن الإسلام لم يلبث أن أكد إلزامه المجتمع أيضًا بمسئوليته تجاه أفراده؛ حيث إنه لا انفصال ولا انفصام بين هاتين المسئوليتين، وغياب أو انعدام المسئولية من الطرفين يؤدِّى إلى اختلال التوازن فى الحياة، بسبب ضمور أو انحسار التفاعل بين طرفى المسئولية وهما الفرد والمجتمع؛ مما يعكس انحرافات فى السلوكيات يترتب عليها القيام بأعمال فاسدة غير مسئولة، إنما على الجميع أن يجد السعى فى تحقيق قول الله تعالى: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ». كل ذلك اتضح من خلال نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وأحكام فقه المعاملات فقال صلى الله عليه وسلم: « كلكم راعٍ ومسئول عن رعيته فالإمام راعٍ ومسئول عن رعيته والرجل فى أهله راعٍ وهو مسئول عن رعيته والمرأة فى بيت زوجها راعية وهى مسئولة عن رعيتها والخادم فى مال سيده راعٍ وهو مسئول عن رعيته». ففى وقت اشتداد الأزمات وتحلُّق الجميع حول الأمم والأوطان والدول للنَّيل منها ومن أبنائها من خلال أعداء الخارج وأعداء الداخل، لا بد أن تظهر هنا المسئولية المشتركة لجميع أبناء الأمة، لكى يستعد كل إنسان لتحملها، كل حسب دوره وموقعه وتأثيره وعمله، حتى لا يبقى إنسان بدون مسئولية أو لا يشعر بها، قال تعالى فى كتابه: «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا»، فهذه الأمانة بجانب أنها تعبر عن التكاليف الشرعية فهى تعبر أيضًا عن مسئولية المسلم التى تقع عليه من أوامر ونواهٍ. فعن النُّعمان بن بشيرٍ رضى الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَثَلُ القائِمِ على حُدُودِ الله والواقِعِ فيها كمَثَلِ قومٍ استهَمُوا على سفينةٍ، فأصابَ بعضُهم أعْلاها وبعضُهم أسفَلَها، فكان الذين فى أسفَلِها إذا استَقَوْا من الماء، مَرُّوا على مَن فوقَهُم، فقالوا: لو أنَّنا خرَقْنا فى نصيبِنا خرقًا ولم نُؤذِ مَن فوقَنا! فإنْ ترَكُوهم وما أرادوا هلَكُوا جميعًا، وإنْ أخَذُوا على أيدِيهم نجَوْا ونجَوْا جميعًا». فهذا الحديث قد جمع بين ثناياه أهم معانى المسئولية المشتركة التى ينبغى أن نكون عليها، تلك المسئولية التى تحرص على المصلحة العامة أشد الحرص لكنها فى الوقت نفسه لا تغفل قيمة المصلحة الخاصة، تلك المسئولية التى تنظم العلاقة بين البشر على اختلاف درجاتهم بميزان العدل الذى لا يحيف على حق أحد. ففى هذا الهدى النبوى الشريف معانٍ وعبر تؤكد مدى حرص الإسلام على المسئولية الجماعية، ودعوته إلى العمل الإيجابى ورفضه لأى عمل سلبي، فقد شبه النبى صلى الله عليه وسلم الوطن بالسفينة التى تتطلب مصالح عامة وقيمًا ضامنة ومسئوليات شاملة، وكيف أن مجتمع السفينة جعل أمن الجميع هو أولى أولوياته، من خلال العلاقات التبادلية بين الناس، والمتمثلة فيمن هم أعلى السفينة ومن هم بالأسفل، كما ظهر من خلال الحديث التفريق بين المصالح الشخصية والمصالح العامة وكيفية تغليب العام على الخاص درأ للفتن وحقنًا للدماء وحفظًا للحقوق وصيانة للأمة وحفظها من ورود المهالك. كما أن فى ثنايا الحديث الشريف الإشارة إلى أن هناك عقدًا اجتماعيًّا قد وجِدَ بين مَن هم أعلى ومن هم أسفل لا يجوز لأى طرف خرقه، وإذا خرقه كان للطرف الثانى الاعتراض إذا أصاب الجميع ضرر، أو تقويمه وذلك صيانة للمصلحة العامة، كما أنه وضَع آليةً ومعيارًا للتفريق بين الحقوق والواجبات ومدى التزام الجميع بهما. وعندما نذهب لنسقط مصطلح السفينة أو مجتمع السفينة على الوطن نعرف أنه وطن يتسع للجميع، فهو وطن لا يحرص على إقصاء أحد طالما أنه لا يأتى على مصلحة الجميع بسوء، بل يتوجه بالنصح لمَن هم أعلى بأن يسدُّوا الطريقَ أمام الخارقين فى سفينة الوطن وأن يشدُّوا على أيديهم لأنهم يحملون منطقًا غير منطق السفينة. وعليه يجب أن تكون المسئولية سلوكًا للجميع لأن فى غيابها فرصة لمن يضمرون الشر للأمم، فيكونوا سببًا فى إزهاق الأرواح، وهدم المؤسسات وانهيار البناء، وإشاعة الفوضى، وهذا أمر غاية فى الخطورة لا يجب التهاون معه، وصدق النبى صلى الله عليه وسلم حين قال: «كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول». لمزيد من مقالات د شوقى علام