عن عمد نجح رئيس الورزاء الإسرائيلي بنيامين نيتنياهو في نقل الملف النووي الإيراني إلي مقدمة الاهتمامات الإسرائيلية والدولية, في مقابل تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية. ويعتبر بعض الكتاب الإسرائيليين مثل ألوف بن الكاتب في صحيفة هاآرتس أن ذلك يعتبر أهم نجاحات نيتنياهو, ووصفه بأنه إنجاز ديبلوماسي مهم بدا للوهلة الأولي مجرد خيال, تمثل في تغيير جدول الأعمال السياسي للدول العظمي, من مسألة فلسطين أولا إلي إيران قبل كل شيء. وخلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة في بداية الشهر الجاري حاول نيتنياهو الحصول علي دعم الرئيس الأمريكي لعمل عسكري ضد إيران لإجهاض برنامجها سواء من خلال الولاياتالمتحدة, أو من خلال إسرائيل بشكل منفرد انطلاقا من وجهة النظر الإسرائيلية التي يروجها نيتيناهو ويسعي لحشد التأييد الإسرائيلي والدولي لها, والتي تتلخص في ضرورة توجيه ضربة عسكرية لإيران, وأن إسرائيل جادة في ذلك ومستعدة للقيام به. وهو الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات عن حقيقة الموقف الإسرائيلي من فكرة توجيه ضربة عسكرية لإيران, وما إذا كان هناك إجماع داخل إسرائيل علي توجيه تلك الضربة لإيران. والحقيقة أنه إذا كان توجيه أية ضربة عسكرية لإيران سيعني بالضرورة تحقيقا لمصلحة إسرائيل علي اعتبار أن مثل تلك الضربة ستعني إضعافا ما لإيران وإطالة لأمد استكمال برنامجها النووي ومن ثم الحفاظ علي التفوق النووي الإسرائيلي في الشرق الأوسط, فإنه لابد من التأكيد ايضا علي أن توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية لإيران ما زال يثير الكثير من الخلافات بين النخبة الإسرائيلية الحاكمة وبين أوساط الرأي العام الإسرائيلي. فعلي سبيل المثال أكد وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك قبل أيام أنه من الأفضل لإسرائيل عدم شن هجوم عسكري علي إيران في حال عدم الحصول علي تأييد الولاياتالمتحدة. وهناك من يري أن الرأي العام الإسرائيلي ذاته بدأ يفقد الثقة في تلك النخبة, وبدأ يتشكك في قدرة تلك النخبة علي اتخاذ قرارات مصيرية نتيجة استشراء الخصومات داخلها, خاصة فيما يتعلق بإيران. ويبدو أنه علي الرغم من أهمية الملف الإيراني لإسرائيل إلي درجة تركيز مؤتمر هرتزليا أعماله هذا العام علي الملف الإيراني, فإنه ما زال هناك انقسام واضح بين النخبة الإسرائيلية تجاه مسألة العمل العسكري ضد إيران. بينما جميعهم متفقون علي ضرورة التعامل مع إيران بهدف إجهاض برنامجها النووي, فامتلاك إيران لسلاح نووي علي حد تعبير نيتنياهو أخف وطأة لدي الإسرائيليين من قصف تل أبيب. أما الرأي العام الإسرائيلي فما زال هو الآخر معارضا بنسبة كبيرة للعمل العسكري ضد إيران. ففي آخر الاستطلاعات التي نشرتها الصحف الإسرائيلية وهو الاستطلاع الذي نشرته صحيفة هاآرتس الاسرائيلية في الثاني عشر من مارس الجاري اتضح أن58% من الاسرائيليين يعارضون توجيه ضربة عسكرية لإيران اذا لم تشارك الولاياتالمتحدةالامريكية في هذه الضربة. كما أشارت استطلاعات أخري عديدة إلي أن الإسرائيليين ما زالوا غير واثقين من قدرة العمل العسكري الذي قد تقوم به إسرائيل بمفردها أو بمساعدة الولاياتالمتحدة علي منع إيران من استكمال برنامجها النووي. ما سبق ليس إلا مؤشرا من مؤشرات كثيرة تؤكد أن الموقف الإسرائيلي الحقيقي ما زال غير واضح حتي الآن, وأن قرارا فعليا بتوجيه ضربة عسكرية إسرائيلية لإيران ما زال يثير الكثير من الخلافات داخل إسرائيل, بما يعني أن الاوضاع الداخلية في إسرائيل لا تدفع حتي الأن في اتجاه التأكيد علي أن إسرائيل جادة في مطالبتها الولاياتالمتحدة بالسماح لها بتوجيه ضربة عسكرية إلي إيران. وهنا يثور التساؤل, لماذا إذن إصرار نيتنياهو علي فكرة العمل العسكري ضد إيران, وإلحاحه علي الولاياتالمتحدة لتأييد تلك الخطوة. علي الأرجح, فإن نيتنياهو يهدف إلي تحقيق عدة أهداف لعل أهمها; أولا وكما سبقت الإشارة فإنه يهدف إلي لفت انتباه الولاياتالمتحدة ومعها المجتمع الدولي عن موقفه المتعنت من التسوية السلمية مع الفلسطينيين بما يسمح له بتهميش القضية الفلسطينية وتنفيذ مخططه الاستيطاني دونما إزعاج من الولاياتالمتحدة علي نحو ما حدث في بداية ولاية أوباما. ويهدف ثانيا إلي ممارسة الضغط الإعلامي علي الرأي العام الإسرائيلي عساه ينجح في تأمين تأييد كاف للعمل العسكري ضد إيران أو علي الأقل تجهيز الرأي العام لاحتمال اتخاذ مثل ذلك القرار في وقت ما. ويهدف ثالثا, وهذا هو الأهم, إلي الحصول علي مكاسب من الولاياتالمتحدة في وقت يمر فيه الرئيس الامريكي بأضعف فتراته وهي الفترات التي تسبق عادة السباق الرئاسي. فنيتنياهو يعلم أنه ليس من مصلحة الرئيس الأمريكي خلال الفترة المتبقية من ولايته الحالية أن يغامر بعمل خارجي كبير علي شاكلة العمل العسكري ضد إيران بينما الرأي العام الأمريكي ما زال منقسما هو الآخر بشأن تأييد أو معارضة العمل العسكري ضد إيران, ومن ثم فإنه في ظل إصرار نيتنياهو علي العمل العسكري ضد إيران وفي ظل الدعم المؤكد لموقفه من قبل اللوبي اليهودي في أمريكا سيجد الرئيس الأمريكي نفسه في موقف شديد الحساسية. إذ أن موقفه المناقض لموقف نيتنياهو سيعني استعداء للوبي اليهودي بكل ما يعنيه ذلك من تأثير علي موقفه الانتخابي, خاصة في ظل سهولة اقناع اللوبي اليهودي من قبل نيتنياهو بأن العمل العسكري هو الوسيلة الوحيدة المتاحة لحفظ أمن إسرائيل. وحيث إن الرئيس الامريكي في الفترة الحالية لا يمكنه تحمل الاختلاف كثيرا مع اللوبي اليهودي, فسيكون مضطرا للعمل علي تغيير موقف نيتنياهو ليتوافق مع رؤيته بشأن التعامل مع إيران, أو علي الأقل أن يدفعه للإعلان عن أنه يتوافق حاليا مع تلك الرؤية. وسيكون أوباما مضطرا في تلك اللحظة إلي أن يقدم لنيتنياهو مقابل موقفه ذلك, الأمر الذي سيدعم موقف نيتنياهو أيضا في الساحة الداخلية الإسرائيلية, كونه حصل علي مكاسب مادية وأعاد الدفء إلي العلاقات الأمريكية الإسرائيلية, وهو أمر شديد الأهمية في ضوء قرب الانتخابات الإسرائيلية. باختصار فإن توافق أوباما ونيتنياهو علي رؤية وجهة نظر أوباما التي تري أنه يجب علي الأقل تأجيل العمل العسكري ضد إيران الآن سيخدم الاثنين معا, ومن ثم فعلي كل منهما تحمل تكلفة تلك الخدمة. وبالفعل فقد بدأ الحديث عن الثمن الذي ستقدمه الولاياتالمتحدة لإسرائيل. إذ نقلت صحيفة معاريف, في الثامن من الشهر الحالي أن الولاياتالمتحدة قد اقترحت علي إسرائيل خلال زيارة نيتنياهو صفقة تتعهد إسرائيل في إطارها بألا تهاجم المنشآت النووية الإيرانية خلال العام الحالي, وإنما فقط في العام المقبل, بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ستجري في نوفمبر المقبل. وفي المقابل ستزود الولاياتالمتحدة إسرائيل بالأسلحة المطلوبة لتنفيذ هذا الهجوم. وأخيرا, يبقي السؤال الأهم الأن هل يتوقف ابتزاز إسرائيل للولايات المتحدة علي صفقة الأسلحة التي ستحصل عليها من الولاياتالمتحدة أم أن إسرائيل ستنجح في توظيف فكرة الضربة العسكرية لإيران لابتزاز الولاياتالمتحدة أكثر وأكثر فيما يتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط.