ملف الاغتيال السياسي للقادة والرؤساء من الملفات المثيرة والمليئة بالأسرار الغريبة. وإذا كانت عملية التخلص من الخصوم المعارضين أو المنافسين سلسلة لا نهاية لها تعود إلي عصور ما قبل التاريخ وتبدأ بقصة قابيل وهابيل,وعلي الرغم من اختلاف مكانة الضحايا. وأهمية في الدولة والمجتمع إلا أن الاغتيال السياسي للزعماء وأصحاب المقامات الرفيعة يبقي هو الجامع بينهم وأن اختلفت طرقه. وتندرج الاغتيالات السياسية ضمن الصراع السياسي, ولعلها الوجه الآخر لتعنيف الصراع ونقله الي مرحلة التصفية الجسدية. فمن يقوم بالاغتيال السياسي لا يعرف الحوار, لأن هدفه إلغاء الآخر وطمسه والقضاء عليه, بصرف النظر عن تبعات الاغتيال ونتائجه. والاغتيال مصطلح يستعمل لوصف عملية قتل منظمة ومتعمدة تستهدف شخصية مهمة ذات تأثير فكري او سياسي او عسكري أو قيادي ويكون مرتكز عملية الاغتيال عادة أسباب عقائدية او سياسية أو إقتصادية أو إنتقامية تستهدف شخصا معينا يعتبره منظمو عملية الاغتيال عائقا في طريق إنتشار أوسع لأفكارهم او أهدافهم. ويتراوح حجم الجهة المنظمة لعملية الاغتيال من شخص واحد فقط الي مؤسسات عملاقة وحكومات. ولايوجد إجماع علي إستعمال مصطلح الاغتيال فالذي يعتبره المتعاطفون مع الضحية عملية اغتيال قد يعتبره الجهة المنظمة لها عملا بطوليا. ومما يزيد في محاولة وضع تعريف دقيق لعملية الأغتيال تعقيدا هو ان بعض عمليات الاغتيال قد يكون أسبابها ودوافعها إضطرابات نفسية للشخص القائم بمحاولة الاغتيال وليس سببا عقائديا او سياسيا. ولعل بدايات الاغتيال السياسي ترجع الي زمن بعيد ولكن مع التطور والتقدم, اتسعت وتعددت وتنوعت طرقها أشهرها اغتيال الامير الفرعوني توت عنخ آمون ومن قبله اغتيال الملك أخناتون والتي يعتقد أن كهنة المعابد الفرعونية لهم يد في ذلك بسبب توجهه إلي تغيير الالهة إلي الإله الواحد آتون. ومع تطور الزمان تطورت عمليات الاغتيال لتصل إلي الدهس بالسيارات أو إسقاط طائرة كاتم الصوت وتفخيخ السيارات أو المكاتب أو تلغيم الظروف البريدية كلها من ضمن الوسائل المبتكرة للتخلص من الخصوم. ورغم أنها تقع في جميع دول العالم دون استثناء مع اختلاف أسبابها من حادثة إلي أخري, إلا أن هناك حوادث اغتيالات تعرض لها قادة وزعماء إثر محاولاتهم إرساء ديمقراطي أوسلمي أو لتنطوي فيه صفحة الخلاف والظلم خاصة بعد توقيعهم لمعاهدات سلام وضعت نهاية لصراعات مأساوية. والغريب في الأمر أنه بنظرة متأنية لكثير من حوادث الإغتيالات للقادة والرؤساء يمكن أن نكتشف أنها أكثر جدوثا في الدول الديمقراطية بدليل وقوع أكبر عدد منها في الولاياتالمتحدة فضلا عن اغتيال رؤساء منتخبين انتخابا حرا وديمقراطيا في عديد من الدول. وغلي الخريطة الدولية يعد المهاتما غاندي أحد الذين دفعوا حياتهم ثمنا للمباديء نتيجة انفصال باكستان عن الهند واندلاع الاضطرابات التي راح ضحيتها آلاف من المسلمين والهندوس. وطالب غاندي الهندوس باحترام الأقلية المسلمة, لكنه اغتيل في30 يناير.1948 ولا ننسي جريمة اغتيال أنديرا غاندي رئيسة الوزراء الهندية عندما طالب حزب أكالي دال السيخي بمنح الحكم الذاتي لإقليم البنجاب في ثمانينات القرن الماضي. وما كان منها إلا محاولة إضعاف شعبية حزب أكالي دال في الإقليم بتشجيع المنافس الرئيسي له وسط السيخ وهو الواعظ الأصولي السيخي سنج بندرانوال. وبإعلان إبراهام لينكولن ثاني رؤساء الولاياتالمتحدة أن جميع العبيد أحرار دون دفع تعويضات لملاكهم تم اغتياله في واشنطن عام.1865 كما طالت الاغتيالات السياسية آخرين من رؤساء الولاياتالمتحدة وهم: جيمس جارفيلد سنة1881بعد إطلاق تشارلز جوتو رصاصتين عليه رفض غارفيلد تعيين جوتو كقنصل للولايات المتحدة في باريس. ولا ننسي جون كينيدي الذي اغتيل عام1963 في واقعة هزت الضمير العالمي وليس الانساني فقط. وتم اتهام لي هارفي اوزوالد باغتيال كينيدي وبعد أقل من يومين من توجيه التهمة له أطلق جاك روبي النار عليه في مركز الشرطة ونشأت بعدها الكثير من نظريات المؤامرة حول اغتياله ومزاعم بتورط وكالة المخابرات المركزية والمافيا والمخابرات السوفيتية وفيدل كاسترو ونائب الرئيس ليندون جونسون ولكن لم يتم الي الآن إثبات أي من هذه النظريات. ونموذج آخر بارز في المحاولات المضنية لإرساء الديمقراطية كان يحمل اسم سلفادور ألليندي ورئيس جمهورية تشيلي منذ1970 وحتي1973 الذي قتل في الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكمه. وهو حدث يؤرخ لإحدي اللحظات السوداء في مسار تاريخ اليسار خلال القرن العشرين, حيث يحيلنا علي الانقلاب الذي قادته جماعة عسكرية بزعامة الجنرال أوجستو بينوشيه, منهيا بحمام دم تجربة رائدة غير مسبوقة, استمرت ثلاثة سنوات. بالنسبة للبورجوازية الشيلية وكذلك المسؤولين الأمريكيين. واقتضي الوضع بأي ثمن القضاء علي حلم سالفادور ألليندي والوحدة الشعبية إضافة إلي ذلك, اغتيل أولوف بالمه رئيس الوزراء السويدي لمبادئه في احترام الشعوب, ووضع أسم السويد علي الخريطة السياسية العالمية في تفضيل التعقل والحكمة علي العنف والقوة فاغتيل في فبراير.1986 وحتي يومنا هذا لم يتم حل لغز اغتيال بالمه الذي قتله مجهول بسلاح أبيض في ساعة متأخرaة من الليل في أثناء عودته من السينما مع زوجته بدون أي حراسة. وكذلك اغتيال ملكيور ندادي عام1993 الذي كان أول رئيس منتخب لبوروندي. وبعد4 أشهر من انتخابه رئيسا جاء الاغتيال علي يد عسكريين من التوتسي وكان الاغتيال الشرارة التي أشعلت الحرب الأهلية في بوروندي من1993 إلي.2005 وأخيرا اغتيال جون جارنج نائب رئيس الجمهورية السوداني عام2005 بعد وصوله إلي اتفاق السلام الشهير مع الحكومة السودانية بشأن الجنوب السوداني. وبالطبع هناك العديد من جرائم اغتيال التي سجلها التاريخ وكان نتيجة الكراهية واخري هدفها الوحيد هو إلتخلص من المنافس او فرض الرأي الآخر أوالطمع في السلطة وبعد أبرزهم هوالرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات الذي خاض حرب أكتوبر1973 وحقق مع الجيش والشعب المصري نصرا كبيرا علي إسرائيل. لكن السلام مع إسرائيل وبعض العوامل الداخلية أدت إلي اغتياله في6 أكتوبر.198 وما حدث للسادات بسبب معاهدة السلام التي أبرمها مع الإسرائيليين حدث لرئيس وزرائهم إسحاق رابين بعد توقيعه اتفاقيات أوسلو للسلام مع الفلسطينيين وفي الرابع من نوفمبر1995 وخلال احتفال بأحدي ميادين تل أبيب أطلق إيجال عامير المعارض لاتفاقات أوسلو النار علي رابين وهو يلقي خطابه. ونتيجة لمحاولته إيجاد تقارب في قضية الصحراء مع المغرب مع إيجاد حل نهائي لها تم أغتيال الرئيس الجزائري محمد بوضياف في يونيو.1992 وعلي الخريطة العربية أيضا تجدر الإشارة إلي الملك عبدالله الأول بن الحسين ملك الأردن الذي كان أحد العقول المدبرة للثورة العربية ضد الحكم العثماني إضافة إلي الجهود المكثفة لمنع قيام وطن قومي لليهود في فلسطين لكنه اغتيل عام في يوم الجمعة20 يوليو.1951 وبينما كان يزور المسجد الأقصي في القدس لأداء صلاة الجمعة قام رجل فلسطيني يدعي مصطفي شكري عشي وهو خياط من القدس باغتياله, حيث أطلق الرجل المسلح ثلاث رصاصات قاتله إلي رأسه وصدره. ويعتقد أن سبب ذلك هو التخوف من إمكانية قيامه توقيع اتفاقية سلام منفصلة مع إسرائيل. وامتدت يد الغدر باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في حادث مروع في بيروت في فبراير من عام.2005 والحريري لعب دورا مهما في إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية وإعمار لبنان بعدها. وقام بالعديد من الأعمال الخيرية وكان متمسكا بحق لبنان بالمقاومة واسترجاع الأرض من الإسرائيليين, في حين اغتيل ملك السعودية الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود عام1975 علي يد الأمير فيصل بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود بإطلاق النار عليه في حادث غامض ومفاجئ وغريب, وكذلك أحمد حسين الغشمي الذي رأس اليمن في الفترة من19781977 واغتيل في مكتبه برسالة مفخخة هي حقيبه يد ملغمه نقلها مبعوث لرئيس الشطر الجنوبي أو محمد ضياء الحق بن محمد أكرم رئيس باكستان الذي سقطت طائرته عام1988 بواسطة شحنة ناسفة في صندوق مانجو في مؤامرة لاغتياله بسبب محاولته التقرب من الغرب- خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية-, والتقرب من الإسلاميين وإقامة علاقات وثيقة بعض الأقطار الإسلامية. لكن اغتيال الخصوم السياسيين والمعارضين في أي بلد كان, لا يحل مشكلة ولا يحقق لمن قاموا به تصفية المعارضة السياسية, بل إن مثل هذه الجريمة سوف تخلق المزيد من المشاكل للجهة القائمة والمدبرة له, وتدفع بالبلاد إلي حال من التوتر والفوضي, قد تصعب علي الذين دبروها أن يضبطوا الأمور.