ارتبط الصيف عندي بسورة "التوبة"، بما انطوت عليه من حديث عن غزوة تبوك، آخر غزوة لرسول الله، وكان الصيف ساحتها، في الفترة بين شهري رجب وشعبان، من العام التاسع للهجرة، إذ تفرض المقارنة نفسها، بين صيفنا، وصيف الرسول، وصحبه الكرام. هذه المدينةالمنورة، في عز الصيف، وقد طابت فيها الثمار، وامتدت في رحابها الظلال، وران عليها جو من الخشوع والسكينة، ثم يأتي الفكر العالي من الرسول، في الأمر بالتجهز للخروج إلى تبوك، وهي عين ماء أقصى شمال الحجاز على الحدود مع الشام، وتبعد عن طيبة أكثر من 778 ميلا (نحو 1251 كيلو مترا)، قطعها الجيش المسلم في 15 يوما ذهابا، ومثلها إيابا، في حين مكث بتبوك 20 يوما، ليبلغ وقت الغزوة خمسين يوما، أي معظم صيف العام. وكان عمر الرسول وقتها نحو واحد وستين سنة، فالغزوة قبل وفاته بعامين، أي أن جهاد الرسول لم يعرف التقاعد للمعاش، بل قضى حياته كلها، في جهاد متواصل، كي يبلغ دعوة ربه. وكان الهدف من الغزوة، كما قال ابن كثير: "استجابة طبيعية لفريضة الجهاد"، وعند كثير من العلماء: قتال الروم وحلفائهم من مستنصرة العرب، كحرب استباقية، بعد أن بلغ الرسول أنباء تجهزهم لمهاجمة مكةوالمدينة. كان استنفار الرسول للمسلمين للخروج للقتال في وقت جدب، وحر شديد، وظمأ مُهلك، وقلة في الزاد والعتاد، فتخلف المنافقون، الذين وصفهم القرآن بقوله: "فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)". (التوبة). لقد كان حديث القرآن عن غزوة تبوك أطول حديث عن غزوة في القرآن كله.. أكثر حتى من الحديث عن غزوتي بدر، وأحد. وبينما تبارى المؤمنون في إعداد العدة، والجود بما في أيديهم من مال، وعتاد.. فهذا عثمان يجهز الجيش بما يملك حتى يقول الرسول: "ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم". وهذا عبدالرحمن بن عوف، وعمر بن الخطاب، كلاهما ينفق نصف ماله، وينفق أبو بكر ماله. وتتوالى المواقف المؤثرة في الغزوة بين تخلف الصادقين الثلاثة، وبكاء الفقراء الذين أعوزهم المال، وإيثار الصحابة أحدهم للآخر، بالتمرة، وشربة الماء، ثم الخاتمة السعيدة، إذ لم يُقتل جندي مسلم، من بين ثلاثين ألفا، تعداد الجيش المسلم وقتها. وما بين البداية الجاهدة، والنهاية البيضاء، أضاف الرسول لبنة إلى بناء الإسلام، بتحقيق أهداف الغزوة. وبعد هذا التحليق الرباني،، في سماء السورة، نقارن بين صيفنا وصيف الصحابة، فاجعل لإجازتك هدفا، وأعد لصيفك خطة، وجهز الوسائل لمواجهة حر الآخرة، قبل حر الدنيا، واستعد لساعة "العسرة"، أيا كانت. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد