الدرس الاول الذي يتعلمه قادة المستقبل هو ألا يحاربوا علي اكثر من جبهة في وقت واحد. وربما يكون الاخوان هم اكثر الناس حاجة لمن يذكرهم بهذه النصيحة الغالية الآن فان الذكري تنفع المؤمنين. ولن ينفعهم ان يشهروا سيوفهم في وجه الجميع سواء فرضت عليهم الحرب وهي كره لهم او قرروا هم خوض غمارها. جبهات الجهاد الاخواني الحالية تتوزع كالتالي: الاخوان ضد الحكومة في معركة سحب الثقة. الاخوان ضد الليبراليين والقوي الثورية واليسار في معركة الجمعية التأسيسية والدستور. الاخوان ضد المجلس العسكري في معركة مصير الجنزوري ومستقبل البرلمان. ثم الاخوان ضد الاخوان في معركة مساندة ابو الفتوح او التصويت ضده. قد لا تكون هذه الازمات كلها من صنع الاخوان ولا يتحملون وحدهم مسئوليتها. ولكنهم اصبحوا بإرادتهم او بدونها جزءا من المشكلة وجزءا من الحل ايضا. وهم يحتاجون الي عملية تقدير موقف هادئة تحدد الاولويات والعواقب المحتملة لتلك الحروب وأسلوب اداراتها. أولي المعارك التي تستلزم اعادة نظر منهم هي معركتهم ضد الحكومة التي افتقدت العقلانية منذ البداية. فليس الجنزوري هو المسئول عن سفر المتهمين الامريكيين والإخوان يعرفون ذلك جيدا. وليس من الواقعي سحب الثقة من الحكومة قبل ثلاثة اشهر فقط من الانتخابات الرئاسية التي ستنهي مهمة هذه الحكومة تلقائيا. حتي في حالة التصويت بحجب الثقة عنها فليس هناك ما يلزم المجلس العسكري بإقالتها. لا يعني هذا بالطبع ان الحكومة جديرة بالاستمرار في موقعها, فلم تنجح في حل مشكلة واحدة منذ تشكيلها. علي ان اهمية وخطورة المواجهة الحالية بين الاخوان والحكومة لا تكمن فيما ستنتهي اليه من نتائج لصالح هذا الطرف او ذاك, بل في الخلافات التي فجرتها بين الاخوان والمجلس العسكري. وان شئت الدقة فقل التي كشفت عنها او اخرجتها الي العلن, فلسنا نعرف إلا القليل عن طبيعة العلاقة الغامضة بين المجلس والجماعة. في كل الاحوال تطورت الازمة الي حرب بيانات حقيقية بين الجانبين, بدأت ببيان ناري غير معتاد اصدره الاخوان السبت الماضي اتهموا فيه المجلس صراحة بأنه يدعم الفشل والفاشلين من خلال مساندته للجنزوري. وبان موقفه هذا يلقي بظلال من الشك حول إجهاض الثورة ونزاهة الانتخابات الرئاسية. ولم يطل صبر المجلس اكثر من يوم واحد ليصدر مساء الاحد بيانه المضاد الذي وصف فيه التشكيك في نواياه ازاء نزاهة الانتخابات بأنه افتراء. مذكرا الاخوان بأنه هو الذي نظم الانتخابات النزيهة التي جاءت بهم الي البرلمان. ولم ينس ان يذكرهم ويذكرنا معهم بضرورة استيعاب دروس التاريخ لتجنب اخطاء الماضي في اشارة واضحة الي صدام قادة ثورة يوليو مع الاخوان وتراجعهم عن وعود الديمقراطية عام 1954. هذا التلويح المبطن بالانقلاب علي التحول الديمقراطي المتعثر اصلا يبدو خطيرا بالفعل ويجب عدم الاستهانة به خاصة في ضوء الازمة الحالية حول تشكيلة الجمعية التأسيسية للدستور. وبعد ان جاهرت بعض القوي الليبرالية واليسارية بتحريض المجلس العسكري علي التدخل لتحقيق ما اسموه تصحيح خطأ البرلمان المتمثل في تشكيل الجمعية التأسيسية. أي دعوة المجلس لإجهاض العملية السياسية الحالية. دون ان يكون واضحا طبيعة ذلك التدخل الانقلابي المطلوب. وكيف يمكن للمجلس ان يشكل جمعية تأسيسية بشكل جديد خلافا لما جاء في الاعلان الدستوري. وهل المطلوب اعلان دستوري جديد. ومع ذلك فلا يمكن انكار المخاوف والتحذيرات من خطورة هيمنة فصيل واحد علي عملية كتابة الدستور. هي مخاوف لها مبرراتها القوية وكلها مشروعة ويجب التعامل معها بجدية, وإيجاد صيغة تضمن اعداد دستور دائم معبر عن آمال وتوقعات وتوجهات الامة كلها وليس وفقا لرؤية الاخوان والسلفيين فقط. الخطأ القاتل الذي يمكن ان يقع فيه الاخوان هو ان يتصوروا ان انتصارهم في معركة تشكيل الجمعية التأسيسية هو النهاية السعيدة لواحدة من حروبهم الكثيرة. اذ ان تجاهل رغبة وإرادة جانب لا يستهان به من المجتمع حتي ولو لم يكن يمثل الاغلبية هو سلوك يفتقر الي الحكمة والي روح الديمقراطية ويلقي ببذور الانقسام في بيئة مشبعة بكل عوامل الاحتقان. لن يضير الاخوان شيء إن هم مدوا ايديهم الي خصومهم لبدء حوار يتطرق مباشرة الي الجوهر اي مواد الدستور نفسه. فلم يعد من المجدي الخلاف حول تشكيلة الجمعية التأسيسية بعد ان تكونت بالفعل وأصبحت امرا واقعا لا يمكن تغييره. باستطاعة الاخوان ان ينزعوا فتيل ازمة كبيرة ان هم اطلقوا مبادرة من هذا النوع. وسيكونون هم الطرف الرابح سواء قبلها او رفضها الآخرون. المزيد من مقالات عاصم عبد الخالق