3 - لعل ما يزيد من أهمية التنبيه لمخاطر بث مشاهد العنف علي نفسية وسلوك الأطفال الصغار تلك الحقيقة التاريخية التي تؤكد أن تقليد العنف ومحاكاته عند الأطفال ظاهرة قديمة قدم التاريخ الإنساني ذاته، وإذا لم يتم ترشيد هذه الظاهرة فإن المحاكاة التي يمارسها الأطفال علي سبيل اللهو والتسلية قد تتحول - كما قال الفيلسوف الإغريقي العظيم أفلاطون في رائعته « جمهورية أفلاطون » - إلي شيء مفزع ورهيب لأنها قد تصل إلي حد تشويه أكثر الناس لطفا ووداعة. إن الخطورة تكمن في أن تتحول متعة الإثارة الكامنة في مشاهد العنف الحية إلي حالة من الإدمان عند الأطفال تؤدي إلي بلادة الحس بما يجعلهم أكثر ميلا لحل مشكلاتهم مع الآخرين بمحاكاة مشاهد العنف. ومعني ذلك أن الرغبة في مشاهدة العنف تؤهل المشاهد- الطفل - ربما دون أن يدري للانتقال من هدف الاستمتاع والتسلية إلي هدف استثمار وتوظيف المشاهدة في أرض الواقع. ولست أريد أن أستطرد في تأكيد أهمية التعامل مع هذه الظاهرة التي تقتحم علينا بيوتنا دون استئذان بقدر من الجدية يتفق وحجم ما تحمله في طياتها من تحديات ومخاطر ليس بمقدورنا أن نتجاهلها اليوم أو غدا لأن القضية أكبر من أن يتصدى لها مقال أو سلسلة مقالات ولا حملة صحفية أو سلسلة من الحملات، وإنما يتحتم أن تدرج هذه القضية علي جدول أعمال جميع المعاهد والمؤسسات والهيئات المعنية بشئون المجتمع بشكل عام وبقضايا الطفولة بشكل خاص من أجل إيجاد رأي عام ينتصر لتحقيق نوع من الرقابة الذاتية إزاء كل ما يعرض من بث تليفزيوني مباشر فالمسألة يتحتم النظر إليها بمنظور قومي ومن أرضية الاقتناع بأن الوقاية اليوم خير من العلاج في الغد. إننا إزاء خطر مخيف لا يتهدد الحاضر فقط، وإنما يهدد المستقبل كذلك، ومن ثم يتحتم حشد المجتمع كله لمواجهة هذا « العدو المخيف» الذي يرتدي ثياب عصر المعرفة والتنوير لكنه في جوهره وباء مخيف ومزعج للغاية وليست هذه دعوة إلي فرض رقابة القانون لكننا نلح علي رقابة ذاتية نقوم بها - كمجتمع - من تلقاء أنفسنا.. كما أننا نخاطب ضمائر القائمين علي إدارة هذه الفضائيات أن ينتبهوا إلي حتمية الالتفات إلي هذا الخطر بروح وطنية خالصة ترتفع فوق شهوة الانفراد والتميز لكسب أكبر مساحة في السوق الإعلانية. خير الكلام : بداية الغضب تهور.. ونهايته ألم وندم. [email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله