الأخوة في الأحزاب والتيارات الإسلامية, أكدوا بتصرفاتهم وتصريحاتهم خلال الأيام القليلة الماضية أن مصر ليست تونس ولن تكون, وأن كل من هاجم مسئولي النظام السابق الذين رفضوا هذه المقولة قبيل الثورة, عليه إعادة النظر في حججه وربما تفكيره. وبعد أن كان شعار هذه القوي, خاصة الإخوان مشاركة لا مغالبة, أصبح شعارها الفعلي حاليا احتكار لا مغالبة أو حتي مشاركة. يشهد علي ذلك حالة الشره للسيطرة علي المناصب الكبري في الدولة بحيث يبدو, وكأن هناك سباقا علي صبغ الدولة بلون وتوجه محددين بأسرع وقت ممكن ودون مراعاة للتكوينات السياسية والفكرية الأخري بالمجتمع. وبينما وزع الفرقاء في تونس المناصب الكبري, وهي رئاسات الدولة والحكومة والبرلمان علي القوي السياسية المختلفة, فإن الإخوة بمصر, لم يعد يهمهم مثل هذه التوافقات المصطنعة لأنها, من وجهة نظرهم, لا تعكس الواقع الذي مكنهم من السيطرة علي كل مفاصل البلاد من خلال انتخابات يؤكدون أنها كانت نزيهة وشفافة. وقد اتبعت قيادات الإخوان بالتحديد عقب الثورة استراتيجية عنوانها التطمين, شددت من خلالها علي أنها لا تبغي سوي30% من مقاعد البرلمان الذي لن يكون رئيسه منها, كما أنها لن ترشح رئيسا للبلاد ينتمي إليها. لكن سرعان ما تلاشت معظم, إن لم يكن كل هذه التطمينات, فالانتخابات( شعب وشوري) فاز بها الإخوان بنسبة فاقت كثيرا ما تعهدوا به. ثم إنهم أخذوا رئاسة البرلمان ويضغطون حاليا لتشكيل الحكومة, بل إن تصريحات المتحدث باسمهم أمس الأول بأن ترشيح إخواني للرئاسة وارد جدا, لاتترك مجالا للشك في أننا ودعنا استراتيجية التطمين ونعيش حاليا في ظلال استراتيجية التمكين والاستفراد. وجاءت الطامة الكبري بقرار البرلمان حجز نسبة50% من أعضاء لجنة الدستور لصالحة وحديث أقطاب في التيار الإسلامي عن أن75% من الأعضاء( من خارج وداخل البرلمان) سيكونون منه. ومن عجب أن القوي الإسلامية التي تصدت بحسم لفكرة المرشح الرئاسي التوافقي رافضة عن حق أي دور للمجلس العسكري في الاختيار, عادت لترحب بالفكرة شرط أن يكون المرشح إسلاميا ويتوافق عليه الإسلاميون فيما بينهم. أنه التوافق علي الطريقة الإخوانية والنورية. ماذا يبقي إذن لفكرة أن مصر أكبر من أي فصيل أو تيار سياسي, وأن أبناءها مكتوب عليهم بعد الثورة أن يتوافقوا معا حتي لا يعودوا لنظام الاستئثار والتفرد الذي ساد طيلة60 عاما؟ يبقي أنه مجرد كلام يردده الطرف الأقوي,أي القوي الإسلامية, وهي تدرك أنه لن يتحقق علي الإطلاق, ويتشدق به الطرف الأضعف, من القوي الليبرالية واليسارية, برغم أنها واثقة من أنه لا مكان له علي الخريطة السياسية حاليا. ومع ذلك يبقي أن الفكرة جميلة وحالمة وتستحق أن نرددها.. وهذا يكفي. المزيد من أعمدة عبدالله عبدالسلام