لا قيمة لأى دستور إذا لم تتم ترجمة مواده إلى قوانين تنظم حركة المجتمع، لذلك فإن عدم صدور التشريعات الإعلامية والصحفية المعبرة عن دستور 2014 حتى الآن، رغم مرور نحو 16 شهرا على هذا الدستور، أمر يجب أن تتنبه له الجماعة الصحفية وكل منظمات المجتمع المدنى والقوى والتيارات السياسية والمجتمعية، لأن الصحافة والإعلام مسألة تخص الشعب المصرى كله وليست الجماعة الصحفية فقط. لكن عملية التنظيم الذاتى للصحافة والإعلام هى مهمة اساسية لنقابة الصحفيين بصفتها الممثل الشرعى المنتخب الوحيد لجموع الصحفيين فى مصر، وإذا كانت عملية إعداد التشريعات الجديدة المعبرة عن الدستور قد اتسمت بالبطء خلال الفترة الماضية، لأسباب لا داعى لذكرها الآن، فإن مجلس نقابة الصحفيين برئاسة النقيب الأستاذ يحيى قلاش يقع على عاتقه قيادة عملية دفع هذه التشريعات إلى الظهور للنور بشكل يعبر فعلا عن إرادة الصحفيين فى موعد أقصاه شهر واحد فقط من الآن، مستندا فى ذلك إلى المشروعات التى من المفترض أن تكون لجنة الخمسين المشكلة لهذا الغرض قد انتهت منها، والمشروع المقدم من رابطة أعضاء مجالس الإدارة والجمعيات العمومية بالمؤسسات القومية، وقرارات وتوصيات الجمعية العمومية للنقابة ، والأفكار الموجودة لدى لجنة التشريعات الصحفية بالنقابة، بعد مناقشة كل ذلك مع أعضاء الجمعية العمومية للنقابة من خلال لجان استماع تعقد بمقرها وفقا لجدول زمنى محدد لهذا الغرض. بهذا الشكل يمكن أن تلتقى إرادة الصحفيين على تشريعات تعبر عنهم وتلبى احتياجات المجتمع، يستطيعون الاصطفاف خلفها والدفاع عنها فى مواجهة أى محاولة للانتقاص من حقوق الصحفيين أو فرض هيمنة أو إرادة الغير عليهم، خاصة أن أعداء حرية الصحافة يتربصون بها الآن من كل جانب. إن الأمر لا يتعلق فقط بتفاصيل انشاء الهيئات المنظمة لعمل الصحافة والإعلام، أو بتنفيذ قرارات الجمعية العمومية للنقابة الخاصة بوضع لوائح أجور عادلة أو تثبيت سن التقاعد عند 65 عاما أسوة بالقضاة وأساتذة الجامعات وغيرهم من المهن التى لها طبيعة خاصة، ولكن الموضوع أكبر من ذلك لأنه يتعلق بحرية تداول المعلومات فى المجتمع، وضمان أن تعبر وسائل الإعلام والصحافة المملوكة للدولةعن كل الآراء والاتجاهات السياسية والفكرية والمصالح الاجتماعية، وتنظيم عملية اختيار قيادات هذه المؤسسات، وضمان حرية الرأى والتعبير للجميع. وحتى تتضح الصورة أكثر وندرك أهمية الإسراع بترجمة مواد الدستور المعنية إلى تشريعات، فإن من بين هذه المواد مثلا المادة 68 التى تنص على (المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمداً. وتلتزم مؤسسات الدولة بإيداع الوثائق الرسمية بعد الانتهاء من فترة العمل بها بدار الوثائق القومية، وحمايتها وتأمينها من الضياع أو التلف، وترميمها ورقمنتها، بجميع الوسائل والأدوات الحديثة، وفقاً للقانون). والمادة (70) التى تنص على أن حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقى والمرئى والمسموع والإلكترونى مكفولة، وللمصريين من أشخاص طبيعيين أو اعتباريين، عامة أو خاصة، حق ملكية وإصدار الصحف وإنشاء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ووسائط الإعلام الرقمى. وتصدر الصحف بمجرد الإخطار على النحو الذى ينظمه القانون. وينظم القانون إجراءات إنشاء وتملك محطات البث الإذاعى والمرئى والصحف الإلكترونية. والمادة (71) التى تنص على أنه يحظر بأى وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها, ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها فى زَمن الحرب أو التعبئة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بطريق النشر أو العلانية، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن فى أعراض الأفراد، فيحدد عقوباتها القانون. وللمحكمة فى هذه الأحوال إلزام المحكوم عليه بتعويض جزائى للمضرور من الجريمة، إضافة إلى التعويضات الأصلية المستحقة له عما لحقه من أضرار منها، وذلك كله وفقاً للقانون. والمادة (72) التى تؤكد التزام الدولة بضمان استقلال المؤسسات الصحفية ووسائل الإعلام المملوكة لها، بما يكفل حيادها، وتعبيرها عن كل الآراء والاتجاهات السياسية والفكرية والمصالح الاجتماعية، ويضمن المساواة وتكافؤ الفرص فى مخاطبة الرأى العام. ناهيك عن مواد الفصل السادس من الباب الخامس بكامله والخاصة بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وما ينبثق منه من الهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام، واختصاصاتهما الهائلة فى إدارة المؤسسات الصحفية والإعلامية المملوكة للدولة وتطويرها، وتنمية أصولها، وضمان تحديثها واستقلالها، وحيادها، والتزامها بأداء مهنى، وإدارى، واقتصادى رشيد. إن الكرة الآن فى ملعب مجلس نقابة الصحفيين، الذى عليه أن يتفضل فورا بالقيام بدوره الطبيعى وتعويض مافات من وقت، بإدارة حوار بين أعضاء الجمعية العمومية على الأسس الموجودة بالفعل والتى سبق أن ذكرناها، ووفق الجدول الزمنى الذى تحدثنا عنه، لترى التشريعات المطلوبة النور، ونضمن لهذا الشعب العظيم حرية الرأى والتعبير. كلمات: لا يوجد انسان ضعيف، بل يوجد انسان يجهل موطن قوته ليو تولستوى لمزيد من مقالات فتحي محمود