تعرفت علي قداسة البابا شنوده منذ أكثر من عشر سنوات عندما دعاني مستر دانييل كيرتزر السفير الأمريكي بالقاهرة الي احتفال السفارة بعيد الاستقلال في4 يوليو. لقد قدمني اليه الصديق العزيز الراحل محمد سيد أحمد.. سلم قداسة البابا علي, وعندما اقترب منه محمد وأخطره بإسمي.. وقف وسلم علي مرة ثانية بحرارة, وقال لي: ألا تعرفين يا ابنتي أنني كنت زميلا لوالدك وهو تلميذ لمدة عام, وكنا علي نفس التختة في مدرسة حلوان الداخلية ؟ وكانت تلك معلومات جديدة بالنسبة لي, ثم تحدث عن علاقتهما في تلك الأيام, ونظر الي وقال: لقد قابلته بعد الحياة أمام مكتبي.. وتحدثت معه, إنه كان نصير الفقراء, وحقق لهم الشئ الكثير.. إن ذلك جزاءه في الآخرة كبير; واستطرد في وصف تلك المقابلة.. وأنا في ذهول! لقد تملكني إحساس غريب وشعرت برعشة في بدني, وشكرته علي هذا الاهتمام, ثم سلم علي بإعزاز.. والتفت.. فوجدت كل الحاضرين, وكانوا يقفون حول نافورة مستطيلة في بهو المبني, ينظرون الي باستغراب.. من هذه التي خصها قداسة البابا بكل هذا الحديث؟! وماذا كان يقول لها؟ لقد كان لهذا الحديث أبلغ تأثير في نفسي, وعمق من اعجابي الموضوعي بقداسة الأنبا شنودة في كل مواقفه السياسية, وخاصة بالنسبة لمنعه الأقباط زيارة القدس وهي تحت الاحتلال الصهيوني. لقد شعرت بحنوه الأبوي واحترامه لوالدي; مما غمرني بمزيد من الفخر والمحبة. لقد تذكرت علي الفور الجو الذي تربينا فيه في بيت والدي, والمشاعر الحميمة التي كان يكنها لإخواننا المسيحيين علي المستوي الأسري; كأصدقاء وجيران; وزملاء في السلاح, وقرناء في حرب فلسطين, ومجاهدين في أثناء عدوان1956, ومحاربين في حرب1967 وحرب الاستنزاف التي دامت ثلاث سنوات ونصف السنة. وكان دائما يقول: حينما كنا في فلسطين في سنة1948, كان المسلم يسير جنبا الي جنب مع المسيحي, ولم تكن رصاصة الأعداء تفرق بين المسلم والمسيحي. لقد كانت حياة الأنبا شنودة زاخرة بالعطاء والتضحية في سبيل الوحدة الوطنية. وعندما قرأت أنه سوف يدفن بدير وادي النطرون, تذكرت المحنة التي مر بها عندما اختلف معه الرئيس السادات ونفاه الي نفس المكان في سبتمبر.1981 ويذكر له بحق انه في مواجهة هذا الموقف لم يحاول استغلال هذا التصرف; بما يمكن أن يسئ لقضية الوحدة الوطنية المصرية التي قضي حياته يدافع عنها ويعززها. إن مصر بأقباطها ومسلميها.. تودع ابنا بارا من أبنائها العظام; الذي أضاف الي سمعة الكنيسة الأرثوذكسية العريقة مزيدا من العلم والاحترام والتبجيل.