كان البابا شنودة الثالث رجل دين تشكل عقيدته وإيمانه جزءا لا يتجزأ من كيانه وفكره وروحه. وهذا أعطاه مصدر قوة وعزيمة أضيفت الي صفاته الشخصية التي تمتع بها منذ طفولته وصباه وشبابه. امتدت حتي الأيام الأخيرة قبل انتقال روحه الي السماوات العلا, وكان هذا الإيمان الراسخ مصدر قوة لصراعه الطويل مع المرض, ولاستمراره في تأدية رسالته المقدسة والنبيلة تجاه رعيته حتي قبيل رحيله بأيام قليلة. إن إيمان البابا شنودة بالسلام, جعله ينشر المحبة والوئام في ربوع مصر متساميا فوق الصعوبات والآلام التي سببتها ودفعت إليها عدة مواقف. لم يتحد فقط ما كان يتجرأ البعض ويوجهه إليه من نقد أو مابدر عن البعض من تجاوزات هنا أو هناك. كان ينظر دائما إلي أي موقف مهما بلغت صعوبته علي أنه قابل للتسوية إذا سلكت الأطراف درب الحوار ووضعت القضية موضع الخلاف في اطارها دون تعميم, وفي حجمها دون تهويل أو تهوين, وأعادتها الي عناصرها الأولية, وتم تناول كل عنصر بهدوء وانصاف وشفافية. وهذا الإيمان العميق والقوي جعله يعيش في سلام مع نفسه ومن حوله, دون استسلام لما لا يؤمن به, أو لما لا يراه محققا العدل والانصاف. وأعطاه الإيمان والثقة بالرب والنفس عزيمة المقاتلين في سبيل ما يؤمن به من مبادئ وقيم وأصول الدين علي المذهب الأرثوذوكسي المصري. وقد واجه مطالب عدة للتغيير والتجديد فيما لا يمس صلب العقيدة, لكنه كان يري ان العقيدة في مجملها كل لا يتجزأ لو قبل تغيير جزء منها قد يسير الي تغييرات أخري ينقص من وجهة نظره والأصوليين الأرثوذوكس من اكتمال العقيدة كما أرساها آباء الكنيسة منذ زمن بعيد. وكان البابا شنودة الثالث رجل دولة بحكم صفاته الذاتية والمكتسبة. فهو إنسان يتمتع منذ نشأته الأولي بالقدرة علي الاعتماد علي الذات والتغلب علي التحديات, والنزوع نحو التفوق والنجاح ليكون دائما في مقدمة الصفوف الأولي, والنزوع نحو الكمال في حياته ومسلكه وعلاقاته مع أقرانه والآخرين, وكل هذه الصفات الذاتية والمكتسبة المدعمة بثقافة عميقة وواسعة سواء بحكم دراسته واستيعابه جيدا, واستكمالها بدراسات أخري مدنية ولاهوتية, وفرت له مقومات القيادة ودفعته نحوها قبل أن يسعي إليها, وجعلته متميزا في أي موقع يوجد فيه وأهلته لأعلي منصب ديني للأرثوذوكس المصريين. وقد أدت هذه السمات الذاتيه المكتسبة إلي ان يضطلع بدور آمن به في مواجهة التحديات علي المستويين الديني والمدني, والنزوع دائما نحو السلام عن طريق الحلول العملية, انطلاقا من إيمانه العميق بأن مصر كانت ومازالت وستظل منبعا ومجمعا للأديان في تطورها المتلاحق عبر التاريخ وليس ثمة مبررات لتعارضها وهي متكاملة في جوهرها وإن اختلفت في أساليبها ووسائلها, وإن المصريين يجمعهم أسلوب حياة وسلوكيات وثقافة قادرة علي درء واحتواء أي خلاف في الرأي أو حول مواقف طارئة في مسيرة الحياة. لقد جمع البابا شنودة الثالث من الصفات ما جعله رمزا قوميا مصريا وشاهدا مشاركا وفاعلا في احداث وقضايا حيوية بالغة الأهمية. وله اسهاماته المتميزة في الصحافة والإعلام والشعر, كما اتسم في أحاديثه باضفاء روح المرح والفكاهة المصرية حتي في أشد الأزمات. المزيد من مقالات السفير:رخا أحمد حسن