دارت خلال الآونة الأخيرة حالة من الصراع إن لم تكن حربا باردة أو تكسير عظام - داخل أحد الأحزاب السياسية الكبرى على الساحة، بين رئيس الحزب وأحد أعضائه، وكلاهما من رجال الأموال، وحدثت حالة من الانقسام والشقاق بين صفوف ومؤيدى الطرفين..وهذه الحرب لن تكون الأخيرة داخل الحزب. لكنها سرعان ماامتدت العدوى إلى الأحزاب، فأغلب رؤساء الأحزاب المصرية وكما يرى السياسيون والمراقبون إما من رجال الأعمال أو يقف خلفهم رجال الأعمال أيضا، فالمال قديم منذ نشأة الأحزاب، والسياسة تخدمه، بينما هو يقف حائلا فى تقدم ونهضة البلاد..هذا الصراع الدائر فتح ملف «تزاوج السلطة بالمال» فى غيبة الدولة التى تترك « الحبل على غاربه « ولاتساند أو تدعم الأحزاب الموجودة ، وجعلتها فريسة لأناس انفتحت شهيتهم للدخول فى « اللعبة السياسية» فى محاولة للإمساك « بعنق» مصر،من خلال المرور الرسمى عن طريق البرلمان وإصدار التشريعات لتحقيق مصالحهم... وهنا تدور عدة أسئلة ربما تكون شافية للمواطن المصري، إلى حين انتهاء معركة «الحرب الباردة» التى تفجر الانشقاقات داخل الأحزاب... أكد المستشار يحيى قدرى النائب الأول لرئيس حزب الحركة الوطنية وعضو المجلس الرئاسى للجبهة المصرية، أنه بلا شك أننا ندين وبشدة استخدام المال فى أى عملية انتخابية أو حزبية بأى صورة من الصور وبشكل غير مشروع وعلى نحو يتعارض وأحكام القانون، وهو ما يطلق عليه المال السياسى لانه لا يمكن بعد أن قام شعبنا بثورتين وبعد ان اختار رئيسه فى انتخابات حرة نزيهة أن نقبل أن تكون ارادتنا يحكمها الغنى أو يتحكم فيها الأكثر ثراء وهو ما قد يؤدى إلى أن يكون مجلسنا قد ألم به «العطب» وهو أمر لن نقبله جميعاً ونرفصه شكلاً وموضوعاً . وأضاف المستشار قدرى أننا نهيب بالجهات الأمنية أن تقوم بكل ما يلزم نحو ضبط مستخدمى هذا المال سواء من يسدده أو من يتلقاه ومعاقبة كل من تورط فى مثل هذه الاعمال المشبوهة، فضلاً عن وجود نصوص قانونية تعاقب بالحرمان من الحقوق السياسية فى أى انتخابات من اخترق القانون . وأوضح قدرى أنه بالفعل هناك تأثير شديد على الأحزاب بسبب المال السياسى متسائلاً وهل يمكن للاحزاب ان تعمل وتؤدى دورها فى الوقت الذى تكون فيه القاعدة «البقاء للاغني»؟! فالأحزاب التى لا تملك المال لن تقدر على إجراء دعايتها المطلوبة فى أى معركة انتخابية، ومن هنا تبزغ لنا أهمية الحفاظ على العدالة والشفافية وتطبيق القانون على الجميع. وأشار النائب الأول لحزب الحركة الوطنية الى ان النائب الذى سيصل الى البرلمان فوق المال السياسى لن يكون معبراً عن الارادة الحرة للناخبين، لانه جاء عن طريق الاكراه ، والاكراه ليس بالشدة فقط، إنما هناك الاكراه بالاغراء بالمال وهذا نتائجه لا شك سلبية على المجتمع ككل . من جانبه أكد خالد العوامى أمين الاعلام بحزب الحركة الوطنية المصرية أن المال السياسى سيظل دائماً يلعب دورا مشبوها فى العمل السياسى سواء داخل صراعات الأحزاب أو فى أى عملية انتخابية إذا لم تفعل القوانين ولم توضع الضوابط الحاكمة للانفاق فى الانتخابات ومادامت الرقابة غائبة وترك الحبل على الغارب لأصحاب رأس المال كى يستغلوا نفوذهم المالى فى التأثير على الناخبين والبسطاء، مما يفرز لنا فى النهاية مشهدا سياسيا ملوثا بالمال يحقق فيه فئة قليلة مصالحهم الضيقة على حساب مصالح الأغلبية من أبناء الشعب. وشدد خالد العوامى على أنه عندما يتحكم أصحاب الثروة فقط فى بوصلة الحياة السياسية والبرلمانية حتما سيطوعون آلة الرقابة البرلمانية والتشريعية لخدمة أعمالهم ومصالحهم، بل وربما يتحكمون فى صانع القرار التنفيذي ويفرضون حوله دائرة حديدية لا يقدر ان ينفك منها من خلال ادواتهم الرقابية البرلمانية التى وصلوا إليها من خلال ثرواتهم، وعندئذ ربما يتمكنون من تمرير ما يشاءون من قوانين وقرارات تحقق لهم ما يطمحون إلى تحقيقه حتى وان كان ذلك على حساب المصالح العليا للبلاد وتعود بهذه الطريقة إلى الاذهان حكايات «زواج السلطة برأس المال» ويكون فى النهاية المواطن هو الضحية جراء هذا الزواج الباطل شرعاً . وأضاف العوامى أن هذا لا يعنى أن كل اصحاب الثروة فسدة ومنحرفون فهناك كثيرون شرفاء من رجال الاعمال الاثرياء ويعملون لخدمة البلد ويسعون لترسيخ استقراره، لكن هناك ايضاً فئة فاسدة من الاحتراز منها ومن ممارساتها المشبوهة التى تخرب الحياة السياسية . وبين هذين الرأيين يقول الدكتور رفعت السعيد زعيم حزب التجمع إن العمل السياسى مكفول للجميع، وبالتالى لايستطيع احد أن يمنع أى شخص من ممارسة دوره السياسي، لكن لب المشكلة الرئيسية يكمن فى أن الرأسمالية المصرية لم تعتد تأسيس الأحزاب بأموالها، فبعد ثورة 25 يناير انفتحت شهية بعض رجال الأعمال وبدأوا فى تأسيس الصحف والفضائيات، وانضموا إلى الأحزاب وسيطر بعضهم عليها، فجعلوا الأحزاب والبرلمان القادم على مقاسهم،فهم يريدون أن يستولوا على التشريعات المصرية داخل البرلمان لخدمة مصالحهم الشخصية. وتابع السعيد قائلا: إن رأس المال السياسى يريد أن يخنق «عنق» مصر، وهنا مكمن الخطر، لأن الدولة تترك الأحزاب ملكية خاصة لأصحابها دون دعمها ماليا، فى فرنسا مثلا يتم دعم الأحزاب من خلال عدد الأصوات التى حصلت عليها فى الانتخابات، وفى دول أخرى من خلال عدد نوابها فى البرلمان ، لكن الواقع المصرى يشهد غير ذلك ، فمثلا فى انتخابات مجلس النواب حددت اللجنة العليا للانتخابات مصاريف الدعاية الانتخابية للقائمة بسبعة ونصف مليون جنيه،فأى حزب على الساحة يستطيع تحمل تلك المصاريف. وأشار زعيم حزب التجمع إلى أن رجال الأعمال لابد أن يدركوا أن العمل السياسى مهمة قومية وليس مهنة، لافتا إلى دور الجماهير فى إفراز «الغث والسمين» فى تلك اللعبة السياسية، التى ستنتهى قريبا وسيتضاءل دور المال السياسى مستقبلا. بينما يرى الدكتور ياسر الهضيبى أستاذ القانون الدستورى والبرلمانى السابق أن المال السياسى بالفعل يتدخل فى العمل السياسى سواء كان عن طريق البرلمان أو الأحزاب، وأن استخدام المال هو قديم منذ قيام الأحزاب المصرية فى مصر ،وهو مؤثر فى تشكيل البرلمان وكذلك الأحزاب ، خاصة هيئاتها العليا، ومن يقل غير ذلك فهو لايعى الأرضية التى ينطلق منها قيام الناخبين باختيار المرشحين للبرلمان، أو اختيار أعضاء الأحزاب لرؤسائها أو من يمثلهم فى الهيئة العليا للحزب، فدائما يكون المال مؤثرا جدا وحاسما فى الاختيار. وأضاف الهضيبى أن لجوء رجال الأعمال للترشح والانضمام إلى أى حزب سياسى أو مجلس النواب، هو لحماية مصالحه واستثماراته وأمواله، فالحصانة البرلمانية أو حتى الحزبية مؤثرة فى حماية المال. ولفت أستاذ القانون الدستورى إلى «نقطة مهمة» وهى أن أغلب رؤساء الأحزاب المصرية الموجودين على الساحة السياسية الآن، إما رجال أعمال أو يدعمهم ويقف خلفهم رجال أعمال، فالسياسة تخدم المال، بينما المال لا يود أن يكون خادما للسياسة. بينما قال حزب الكرامة على لسان أمين التنظيم عبد العزيز الحسيني: إن وجود المال يؤثر على نشاط الأحزاب، وظاهرة المال السياسى خطيرة بلاشك، وهنا السؤال ماهو مصدر تلك الأموال؟ ففى أوروبا الأحزاب تمولها الدولة ، وليس رجال الأعمال أو أى تمويل خارجى من أى منظمة، لكن الواقع المصرى عكس ذلك فرجال المال هم المتحكمون فى الأحزاب ، فهم يدعمون المرشحين للبرلمان، فتجد رجل أعمال مثلا يقف خلف 5 من المرشحين ويتحمل نفقات الحملة الانتخابية كاملة والدعاية وغيرها حتى ينجحوا ويصبحوا أعضاء فى المجلس، وبالتالى يكون انتماؤهم لهذا الرجل ويدافعون عن مصالحه وسيحمونها بكل قوة. وأضاف الحسينى أن هذه المسألة فى منتهى الخطورة فرجال الأعمال يكون تأثيرهم كبيرا جدا على الفضائيات والصحف أيضا من خلال بعض الحملات المدفوعة الأجر ، أو شراء بعض «الصحفيين» لتبنى دعم مرشحيهم فى الصحف، وهنا يتأثر حزب أكثر من آخر فى نجاح مرشحيه فى الانتخابات. لذا لابد من تفعيل القانون لمراقبة تلك الأموال وتفعيل المحاسبة، فلا يمكن أن يكون المال هو المتحكم والمسيطر فى كل شيء، فالحزب ساعتها سيتحول إلي «فرد».