الحديث عن »معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية« (NPT) يعيد إلى أذهاننا صور كارثة هيروشيما وناجازاكي، المدينتين اليابانيتين اللتين تحولتا إلى رماد فى ثوان معدودة بعد ضربهما بالقنبلة النووية فى الحرب العالمية الثانية عام 1945. فهذا السلاح الفتاك الذى قلب موازين الحروب التقليدية، جعل قوة الدول لا تقاس بعدد الجنود ، ولا بعدد دباباتها وطائراتها المقاتلة, وإنما فى حيازتها للأسلحة النووية، مما حدا بالكثير من الشخصيات الدولية إلى التعبير عن رفضها عمليات التسلح النووى والتجارب النووية، ومن أبرزها نهرو رئيس وزراء الهند آنذاك. ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية, اندلعت الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقى بزعامة الاتحاد السوفيتى والغربى بزعامة الولاياتالمتحدة, وأوشك الصراع بينهما على نشوب حروب نووية حقيقية, مثلما حدث فى حصار برلين عام 1948, وفى أزمة الصواريخ الكوبية فى عام 1963. وبدأت أولى محاولات الحد من الأسلحة النووية عام 1963 بإبرام اتفاقية »معاهدة الحد الجزئى من الاختبارات النووية« التى وقعت عليها 135 دولة, وتولت الأممالمتحدة الإشراف على هذه المعاهدة, ولم توقع الصين وفرنسا عليها رغم انهما كانتا من الدول النووية حينذاك.ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية هى معاهدة دولية تاريخية اقترحتها أيرلندا, وبدأ التوقيع عليها فى يوليو 1968 للحد من انتشار السلاح النووى الذى يهدد الحياة البشرية, ووقع عليها حتى الآن 189 دولة، وما زال خارج الاتفاقية العديد من الدول مثل الهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل. وينعقد فى إطار المعاهدة نوعان من المؤتمرات, الأول بعد مرور 25 سنة من تنفيذ المعاهدة, ويتقرر فيه تمديد مدة سريان المعاهدة إلى ما لا نهاية أو إلى فترات ثابتة. والثانى ينعقد كل 5 سنوات ويتعلق باستعراض الاتفاقية للتأكد من تنفيذ الأهداف الواردة فى ديباجة المعاهدة وأحكامها. وتتكون المعاهدة من ديباجة وإحدى عشرة مادة، وتعكس الديباجة مفهومين أساسيين: الأول يتعلق بخطورة السلاح النووي, وما يمكن أن تحدثه الحرب النووية من دمار للبشرية كلها، مع ضرورة بذل جميع الجهود الممكنة لتفادى خطر مثل تلك الحرب واتخاذ التدابير اللازمة لحفظ أمن الشعوب. والمفهوم الثانى يتضمن تعهد أطراف المعاهدة بتسهيل تطبيق ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية على النشاطات النووية السلمية، وأيضا على تأييدها جهود البحث والتطوير الرامية إلى تعزيز ذلك التطبيق. وقد تعاهدت الدول الموقعة على المعاهدة على عدم نقل التكنولوجيا النووية إلى دول أخري، وأيضا على ألا تقوم بتطوير ترساناتهم من الأسلحة النووية. واتفقت هذه الدول على ألا تستعمل السلاح النووى إلا إذا تعرضت لهجوم بواسطة الأسلحة النووية من قبل دولة أخري. واتفقت الدول الموقعة أيضًا على تقليل نسبة ترسانتها من الأسلحة النووية، وتكريس قدراتها النووية لأغراض سلمية. كما كفلت المعاهدة أيضا حق الدولة الموقعة فى الانسحاب من المعاهدة إذا قررت هذه الدولة أن ثمة أحداثا استثنائية ذات صلة بموضوع المعاهدة قد أضرت بمصالحها القومية العليا. ولا تعد أحكام اتفاقية منع الانتشار النووى نظاما قانونيا كافيا لمنع الدول من حيازة السلاح النووي, والقضية النووية الإيرانية خير شاهد على قصور الضمانات ووجود نوع من التناقض فى أحكام المعاهدة. وهناك شكوك حول مدى التزام الدول النووية العظمى بهذه المعاهدة، فعلى سبيل المثال قامت الولاياتالمتحدة بتزويد دول أعضاء فى حلف شمال الأطلنطى بما يصل إلى 180 سلاحا نوويا. ولم توقع حتى يومنا هذا إسرائيل والهند وباكستان على المعاهدة، بينما انسحبت منها كوريا الشمالية عام 2003. وعلى مدى 40 سنة، ومصر تبذل جهودا مضنية لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل بكل أشكالها, وقد استمرت فى تقديم طلب سنوى للأمم المتحدة، إلى أن أقر المؤتمر الدولى لمراجعة معاهدة منع الانتشار النووى عام 1995، فى حضور ممثلى 170 دولة فى نيويورك، إنشاء منطقة خالية من السلاح النووى فى الشرق الأوسط. وفى مؤتمر عام 2000 جرى تأكيد القرار ودعوة إسرائيل بالاسم للانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وإخضاع منشآتها النووية لنظام الضمانات التابع ل«الوكالة الدولية للطاقة الذرية«. وأصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية العديد من القرارات بشأن إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، إلا أن إسرائيل لم تلقِ لها بالا, ولا تزال حتى وقتنا هذا ترفض الانصياع لها وترفض إخضاع منشآتها النووية للرقابة الدولية, بل وترفض كذلك الانضمام للمعاهدات المتعلقة بذات الشأن.