برحيل الشاعر الكبير »الخال« عبدالرحمن الأبنودي فقدت مصر أحد أفذاذ قوتها الناعمة الذي وضع لنفسه بوصلة شعرية كانت تقوده دائما إلي البسطاء والعامة الذين وجدوا في أشعاره ودواوينه من يسري عنهم الهموم والآلام فباتت أشعاره العامية متنفسا لملايين المقهورين والمسحوقين، بل إنه أسهم في صقل شخصية المصري الثائر الرافض للظلم والاستبداد. عايش الأبنودي التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مصر، وتعرض للسجن في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وانتقد بشكل لاذع خلفه الرئيس أنور السادات، رغم تأييده له، فسلط من خلال أشعاره سهام النقد والتقريظ لكبار المسئولين ليعبر عن لسان الشعب وضمير الأمة. ألف الأبنودي 22 ديوانا شعريا أبرزها «الأرض والعيال» و«السيرة الهلالية» و «الاستعمار العربي» أول من فتح طاقة نور من خلالها يلهب بها حماسة أبناء شعبه وأمته العربية ليرفضوا الظلم والاستعباد، وتبقي قصيدة الميدان واحدة من أهم قصائد «الخال» والتي أطلقها ليشد من أزر الثائرين إبان ثورة 25 يناير، أطلق الأبنودي رصاصاته الشعرية في وجه نظام فاسد ليشدو قائلا: «أيادي مصرية سمرا ليها في التمييز، ممددة وسط الزئير بتكسر البراويز»، وستبقي قصائد الراحل الكبير نبراسا للشعراء المهمومين بقضايا أمتهم ووقودا للثائرين ضد الظلم، فمن ينسي لعبدالحليم حافظ: «عدي النهار» و «أحلف بسماها وبترابها» و «ابنك يقول لك يا بطل»، ولمحمد رشدي: «تحت الشجر يا وهيبة» و «عدوية» و «عرباوي». يمثل الأبنودي ورفاقه أحمد فؤاد نجم وصلاح جاهين وهم أشهر من قدم الشعربالعامية,ضمير مصر وسجلا تاريخيا لحركة الكفاح الشعبي علي مر العصور، وكان «الخال» واحداً من الشعراء الكبار الذين أحدثوا نقلة نوعية في الغناء المصري،حيث وضعت قصائده الأغنية علي طريق الصدق والإحساس الطبيعي لمشاعر المحبين بعيدا عن الغناء التقليدي الذي كان ينصرف إلي الهجر والحرمان، ليقدم لنا أغنية صادقة المشاعر قريبة إلي الوجدان. برحيل العظماء في الفن والشعر تفقد القوة الناعمة للوطن زخمها ورونقها، خاصة بعد أن أثبتت التجربة نضوب معين حركة المجتمع التي تفرز مثل تلك القامات الكبيرة بعد أن أصبح الفن يباع ويشتري ولا يقدم إلا كل غث رخيص. لمزيد من مقالات رأى الاهرام