يصعب ان يتكررهذا النمط من المثقفين الفنانين الذى مثله صلاح جاهين.. فعلى الرغم من أنه رحل في مثل هذا الشهر-ابريل عام 1986 فإنه مازال بيننا، ليس بوعية الفائق كمثقف وحسب ، وانما – أيضا – لوعيه الفائق كفنان، ولإنجازاته المتميزة في الشعر العامى والفصيح والرباعيات والليلة الكبيرة، فضلا عن رسومه الكاريكاتورية المتميزة .. وهوما يجعلنا نتمهل عند أحدث كتاب صدر عنه حول جماليات الابداع من تأليف د.حسن يوسف طه. والكتاب يتكون من مقدمة وخاتمة فضلا عن استهلال وختام؛ ففى الفصل الاول نتمهل عند»الجمال متألقا»، خاصة عند رباعياته ومنحاه الفلسفى في الرباعيات لأهميتها.. لنصعد في الفصل الثانى عند قيمة الوطنية ، والدلالة الفائقة، لنصعد اكثر في الفصل الثالث عند تجليات الشاعر الكبير في قمة الإبداع الجاهينى المتميز . وعلى هذا النحو ؛ فبين الصعود والهبوط نلتقى بقيم هذا العالم وابداعاته المتميزة.. فنحن في الفصل الثانى الذى يتأمل فيه المؤلف عند «الرومانتيكية الوطنية و التمهل، خاصة عند العلاقة بين جاهين وعبد الناصر، وعلاقة المثقف بالسلطة في قمة صعودها ، من التفاؤل الى التشاؤم، ثم يتمهل أكثر عند قمم الابداع الجاهينى عند ابداع الفنان والشاعر عند الموالد كظاهرة اجتماعية، والليلة الكبيرة كعمل فنى، لنص الى هذا التماس المتميز بين الشاعر-صلاح جاهين – والأداء الفنى عند الملحن – سيد مكاوى- في الليلة الكبيرة.. وهومايعنى أن الشاعر والملحن هنا حدث في اللقاء الايجابى لهما . هذه التجليات الفنية لليلة الكبيرة في خطوط عديدة منها القدرة على قهر الملل، وعلى جذب الانتباه، والإعلاء من قيمة الضحك، ورصد الشعور بالتألق في التلقى ثم استحضار الغياب .. الى غير ذلك من تجليات الليلة الكبيرة بين المؤلف والملحن مما يحدث هذا التماس الايجابى بين الشاعر الواعى والملحن الشعبى. وهذه التجليات الفنية بدت عبر السمت المميز لجاهين؛ ليس في استعادة القديم وحسب وإنما لتأكيد الفعل الحاضر، حيث تتماهى الأشكال والفنون بين الكاريكاتير والفكاهة الساخرة الى الرباعيات التى تحمل لنا تعبيرا معاصرا ومعنى عميقا اشد العمق في عديد من التعبيرات الفنية والكاريكاتورية الفائقة، بما يشير الى اهم سمات الكاريكاتير الجاهينى . بيد ان الكاتب هنا لاينتهى من مؤلفه دون ان يشير الى عدة خيوط فنية تتميز بها موهبة صلاح جاهبن، من القدرة الفائقة على الاسترجاع، وقدرة على الاستنطاق والاستبعاد، وقدرة على مواجهة النسيان ونقل الواقع وتجاوزه، ثم قدرة فائقة على الرؤية والمخاطبة بما يشير الى أن الشعرية الحضارية عند صلاح جاهين وصلت الى اقصاها . ويبقى أن أشير إلى أمر دال للقدرة الفائقة عند صلاح جاهين، فقد كان واعيا لقيمة هذه الرباعيات أشد الوعى، قادرا - من خلال بضعة كلمات تتمهل بين العامية والفصحى- على فتح آفاق ارحب.. وهاهو صاحب الرباعيات يتغنّى: نظرت في الملكوت كثير وانشغلت/ وبكل كلمة(ليه؟) و(عشانيه؟) سألت/ سأل سؤال.. ييجى الرد.. يرجع سؤال/ وأخرج وحيرتى اشد مما دخلت.. عجبى! الكتاب : جماليات الابداع عند صلاح جاهين المؤلف :د. حسن يوسف طه الناشر : دار الهلال 2015