بعيدا عن تصنيف القوي التي تتصارع الآن علي أساس انتماءاتها السياسية أو الأيديولوجية او حتي المذهبية او الطائفية اري ان القوتين اللتين تتصدران المشهد المجتمعي هما نتاج العوار الاخلاقي الذي ينطبق عليه قانون الفعل ورد الفعل ومؤداه ان لكل فعل رد فعلا مساويا له في المقدار ومضادا له في الاتجاه ولسنا بحاجة إلي خبير استراتيجي أو عالم في الاجتماع السياسي لكي يشخص آفة الوطن التي تتغول في ارجائه لتضرم النار في كل ما حولنا. القوتان اللتان اقصدهما قوة الاستعلاء من جانب رموز السلطات الثلاث كفعل وفي المقابل القوة الأخري, وهي الاجتراء من المواطن كرد فعل, فما نراه الآن هو ما كنا نراه بالأمس القريب من الفعل الذي يكمن في الخطاب الاستعلائي لرموز هذه السلطات والمسلك الاملائي الذي يمارسونه في فرض قراراتهم وفي لهجة خطابهم, بل يصل هذا الكبر والغطرسة إلي سلوكياتهم الاستفزازية في تعاملاتهم اليومية مع أبناء وطنهم. ويبدو اننا لم نتعلم من أخطاء الماضي البغيض وخطاياه حيث كان رموز السلطة يخرجون ألسنتهم استعلاء علي هذا الشعب واستخفافا بقدراته علي الاطاحة بهم.. والأمر يختلف الآن, ففي مقابل هذا الفعل لم يعد الشعب يلوذ بالصمت بل تجاوز برد فعله حدودا قد نعدها خروجا علي منظومة القيم والأخلاق التي طالما عاش بها في الأيام الخوالي ومرد هذا السلوك الاجترائي والمتجاوز هو رد الفعل الذي حركته الثورة, التي قام بها ليسترد كرامته ممن سلبها وصار المواطن رافضا وساخطا علي كل شيء.. ولايريد ان يستمع أو يتحاور أو حتي يفهم لأن اللغة المقابلة لغة كفر بها وثار عليها.. اقصد لغة استعلاء واستقواء السلطة وكاد الوطن ان يتمزق بين قوتين وصرنا نتحاور حوار الطرشان وبدلا من لغة واحدة كانت تجمعنا صارت هناك ألف لغة أزكت روح الفرقة والاختلاف بيننا. ورحمة بوطننا وبأنفسنا ادعو قوة الفعل إلي أن تتخلي عن نمطها الاملائي والاستعلائي في قراراتها ولغة خطابها وسلوكها وسنري قوة رد الفعل تتغير من الاجتراء والتجاوز إلي الفهم والتوقير حين يستشعر الشعب انه مصدر السلطات حقا وان رموز السلطة هم خدامه وانه ليس في هذا الوطن سادة وعبيد. د. ناصر كمال عبدالعال - أستاذ بطب المنوفية