لم يكن الغزو الأمريكي للعراق, أولي محطات فشل ما يعرف في الثقافة الأمريكية ب«الحلم الأمريكي», لكنه ولد وبقوة من جديد هذا الشعور العميق لدي قطاع عريض من الأمريكيين خاصة النخبة المثقفة, بخيبة الأمل, والشعور المتجدد بفداحة وثقل ما يمكن أن نسميه «الذنب الأمريكي» وعبثية التغني طوال الوقت بالقيم والمبادئ الأمريكية النبيلة, ليرسخ مكانها الشعور بالذنب تجاه ما فعله الأمريكيون ببلادهم, وما فعلوه بدول أخري, كانت دولا قائمة ذات سيادة, فأصبحت بعد التدخل الأمريكي أطلال دول وأشلاء بشر.حول هذه الفكرة, كان اختيار الكاتب والمحلل السياسي البارز, عاطف الغمري, نائب رئيس تحرير الأهرام السابق, لترجمة وتقديم نص المسرحية الرمزية» رفس حصان ميت» للكاتب المسرحي الأمريكي«سام شبرد», التي صدرت المسرحية عام 2008, وهي من نوع المونودراما أو عرض الرجل الواحد.البحث عن الحلم الأمريكي الضائع, وعن القيم والأصالة والصدق التي كانت ابرز سمات هذا الحلم, هو ما يحاول بطل المسرحية الأوحد أن يستعيده مرة أخري, من خلال رحلة بحثه في الغرب الأمريكي أو الأرض الأسطورية مع حصانه الذي لسبب ما أصبح جثة هامدة, مما يترك البطل بين مشاعر متأرجحة, ما بين دفن حصانه آخر ما تبقي له من صلة بعالم الصدق والنقاء والأصالة أو وسيلته للعودة إلي جذوره أو عدم الاعتراف بموته وانتهاءه دوره إلي الأبد مع محاولات متكررة لإعادة الروح, حتى يستكمل معه رحلته للعودة مرة أخري إلي الأصل. يعبر البطل عن الزمن السابق الذي يبحث عنه بقوله: « حين كان الرجال رجالا ...والحياة شاقة ونقية وبسيطة.»
وعلي مدى المسرحية يعبر البطل عن عدم رضاه عن واقعه وإحباطه مما أصاب القيم الأمريكية من تدهور وهو يركل حصانه الميت, ويقول:» الحصان ميت, هذه حقيقة, لكن ربما لا تزال فيه بقية من حياة».
يكتب الغمري في تقديمه للمسرحية بأنها : «ترمز إلي أمريكا ذاتها: التاريخ- الكاوبوي- المكان- المصير, وتعكس الأزمة الروحية التي يعانيها البطل, وتلمس أبعاد الأزمة السياسية المعاصرة من خلال فقدان الإحساس بالتاريخ, وفقدان الإحساس باليقين مما هو قائم وما هو قادم.»
ويكتب الغمري أيضا في مقدمته:«الصراعات الفلسفية التي تدور بين الشخصيات تعكس تغيرات ثقافية أوسع, بدأ المجتمع الأمريكي مؤخرا يعاني منها في صورة انقسام داخلي.....وهو ما لم يكن يحدث في الماضي, بينما الثقة التقليدية في محافظة الدولة علي قيم الأمة قد أحاطت بها الشكوك, بسبب المؤامرات والاغتيالات والحروب التي تخللتها أعمال وحشية, حتى أصبحت كتابات سام شبرد عبارة عن ميدان يمكن أن نشهد فيه جوانب عديدة لتحولات ثقافية وفلسفية تشهدها أمريكا.»
وقد تميزت ترجمة الغمري بدقتها الشديدة مع شعور عميق بروح النص, فجاء اختياره للكلمات شديد التعبير عما يسميه « المحنة» التي يعاني منها البطل وهو يحاول إعادة الحياة إلي حصانه أو الشعور بأنه ربما عليه أن يدفن نفسه معه.
وشبرد هو واحد من أبرز كتاب المسرح الأمريكي المعاصر, حتى أن بعض النقاد يضعه في مصاف اهم كتاب المسرح من أمثال آرثر ميللر, وقد كتب نحو خمس وأربعين مسرحية منذ أن بدأ الكتابة المسرحية في الستينيات, وتعد مسرحية« رفس حصان ميت » واحدة من أكثر أعماله نضجا وهي عودة منه للمسرح التجريبي, في جو اقرب إلي السريالية, يعبر فيها شبرد علي لسان بطله عن تهافت الحلم الأمريكي مع إشارات رمزية عن انتقادات مريرة للسياسات الأمريكية الخارجية خاصة حرب العراق.
يقول البطل في نهاية المسرحية تقريبا حول ما بات يذكره من انجازات الحلم الأمريكي:«اذكر أننا أغلقنا الحدود عام 1890, أليس كذلك؟ الم نحقق هذا الانجاز؟ مددنا خط السكة الحديد...قضينا علي كل الأبقار في هذه المراعي. وحل مكانها محيط من العظام, وكثير من الدموع, طاردنا الهندي الأحمر البدائي حتى فلوريدا, وانتزعنا الزنوج من أوطانهم, ضربنا أعناق المكسيكيين, أقمنا أسوارا من أسلاك الصلب لمنع الرعاع من الاقتراب منا, أفرغنا هذه التلال من الذهب, زرعنا هذه الربوة علي امتداد البصر, روينا هذه الطبقة الصخرية, وحجزنا مياه الأنهار ودفعناها إلي الوديان لإعادة تعميرها, وحولنا المزارعين الصغار إلي الزراعات الكبيرة لكنا حولنا أطفالنا إلي مجرمين, وقمنا فغزونا دولا ذات سيادة, ما الذي بقي ولم نفعله, لكي نفعله؟».