إن الضربات التي يشنها تحالف عربى بقيادة المملكة السعودية منذ السادس والعشرين من مارس الماضى على مواقع تمركز الحوثيين فيما عرف بعاصفة الحزم، قد تحقق بعض الأهداف لكنها لن تكبح جماح التقدم الحوثى فى الدولة والذى امتد حتى عدن. الأمر الذى يجعل التدخل العسكرى البرى خيارا مطروحا ولكنه فى الوقت نفسه يحمل العديد من التداعيات الإقليمية، ما يدفع إلى التساؤل بشأن السياسات التى تنتهجها جماعة أنصار الله الحوثية وحليفها الرئيس السابق على عبدالله صالح والقوات العسكرية الموالية له فى مواجهة التحالف، لاسيما وأن تلك الجماعة وبعيدا عن الخطاب الإعلامى الموالى للتحالف تحقق تقدما واضحا على الوضع الميدانى ما يشير إلى محدودية تأثير عاصفة الحزم ويضع نتائجها المرجوة على المحك. نقطة الارتكاز فقد حاول الحوثيون تسريع الخطى بشأن اجتياح عدن لإسقاط شرعية الرئيس هادى وذلك قبل انعقاد القمة العربية التى جرت فعاليتها فى القاهرة خلال آواخر مارس الماضى بهدف قطع الطريق على أى قرار تتخذه القمة يقضى بتدخل عسكرى فى اليمن قد يؤدى إلى إفشال مخططات الحوثيين لإزاحة هادى عن السلطة، كما خططوا لاجتياح مدينة تعز عسكريا وإسقاطها ما يضعهم على أعتاب كل المحافظات الجنوبية وبالتحديد محافظة عدن التى يعنى سقوطها الكثير بالنسبة للحوثيين؛ فعدن تعتبر نقطة الارتكاز الاستراتيجية للطرفين المتصارعين لأسباب عدة منها؛ تمايزها الاستراتيجى عن باقى مدن اليمن اقتصاديا وسكانيا، كما أنها المحافظة التى تتحكم فعليا فى مضيق باب المندب وبالتالى السيطرة عليها تعنى التحكم فى حركة الملاحة البحرية، ولكونها العاصمة ذات النشاط الاقتصادى الوفير القائم على تصدير النفط والغاز، فإن وصول الحوثيين لها يعنى سيطرتهم على مفاصل الاقتصاد اليمنى ككل. كما أنها وبالنسبة لميزان الصراع الداخلى تعتبر آخر معاقل الرئيس هادى منصور ووحدات الجيش الموالية له، ومن ثم فإن سقوطها يضعف تماما من موقفه داخليا وإقليميا، ما يعنى أن عدن أصبحت هدفا استراتيجيا للحوثيين لأن السيطرة عليها ستمكنهم من إحراز مكسب معنوى سيتم توظيفه فى مواصلة المواجهة مع قوى التحالف خلال المرحلة المقبلة. كما سعى الحوثيون إلى اختراق وشراء وحدات الجيش فى المناطق الجنوبية وهى وحدات ينتمى معظم عناصرها للمناطق الشمالية والتى تتمركز فيها الطائفة الحوثية الشيعية، ما يعنى توفير غطاء عسكرى لتقدمهم نحو الجنوب يقوم على الولاء الطائفى، أيضا انتهج الحوثيون أسلوبا يقوم على تأليب مكونات الحراك الجنوبى ضد الرئيس هادى وفتح بعض ملفات الصراع القديمة مع تكتلات قبلية وحزبية فى الجنوب كان الرئيس هادى جزءا منها. صراع إقليمي لكن قراءة المشهد الراهن تشير إلى أن الصراع ليس صراعا على شرعية رئيس بقدر ما هو صراع إقليمى متعدد الأبعاد والجوانب يتلخص فى رغبة السعودية مواجهة النفوذ الإيرانى الذى أحكم قبضته على بوابتها الجنوبية وذلك عبر تقويض هذا النفوذ بالضربات الجوية بهدف إيجاد واقع سياسى وعسكرى جديد فى المشهد اليمنى من شأنه “الضغط”على مسار المفاوضات النووية الجارية بين إيرانوالولاياتالمتحدة ما قد يخفض من سقف التسويات التى ستتمخض عن هذه المفاوضات. وفى المقابل تسعى إيران عبر دعمها ومساندتها لجماعة أنصار الله إلى إحراز المزيد من نقاط التفوق الإقليمى التى استطاعت حصدها خلال السنوات الماضية لتضيف اليمن إلى قائمة ارتكازاتها الإقليمية إلى جانب العراق ولبنان وسوريا بهدف الحفاظ على حالة الحضور الإقليمى المتصاعدة لسياستها فى المنطقة بما لا يجعلها مضطرة إلى تقديم تنازلات إقليمية جوهرية. وفى هذا السياق يدرك الحوثيون تماما أن الضربات الجوية لن تؤدى إلى حسم الصراع لمصلحة التحالف والرئيس هادى أو إلى إزاحتهم من المعادلة السياسية الداخلية والإقليمية على حد سواء، ولكنها قد تؤدى إلى إضعافهم ما يجعلهم عنصرا ضعيفا ويقلل من هامش مناوراتهم السياسية فى أى مفاوضات مقبلة لاسيما فى ظل قرار مجلس الأمن رقم 2140 الصادر فى فبراير 2015 والقاضى باعتبار ما قامت به جماعة أنصار الله فى سبتمبر الماضى انقلابا على الرئيس اليمنى، وأن الأخير هو الممثل الشرعى للدولة، كما يدرك الحوثيون أيضا أن ضربات التحالف لهم ستساعد جماعات مسلحة أخرى داخل الدولة اليمنية كتنظيمى القاعدة وداعش على مواجهتهم، ما قد يدفعهم للانتقال إلى مرحلة الرد على عاصفة الحزم لاسيما بعد استهداف الضربات للحاضنات الشعبية المدنية المؤيدة للجماعة الحوثية وكذلك للمنشآت الحيوية التى أخضعها الحوثيون لسيطرتهم، لكن تظل طبيعة وماهية هذا الرد غير معروفة فى الوقت الراهن. حرب استنزاف هنا تجدر الإشارة إلى أن مواجهة جماعة أنصار الله الحوثية عبر الضربات الجوية لن يأتى بنتائج سريعة ويدلل على ذلك حالة التمدد الحوثى الحثيثة فى ربوع الدولة اليمنية بالرغم من مرور أسبوعين على بدء الضربات الجوية، كما أن التدخل البرى سيكون محفوفا بالمخاطر على القوات البرية التى ستخوض المعركة وستكون بداية لحرب استنزاف طويلة الأمد لاسيما وأن تطورات الأحداث أثبت أن تلك الجماعة تتمتع بقدرات سياسية وعسكرية وارتباطات قبلية لا يستهان بها ما يدعو إلى التساؤل حول مدى هذا التدخل البرى المحتمل وحدوده وهل سيكون تدخلا متوسطا أم طويل الأمد أم تدخلا نوعيا مؤقتا. هذا بالإضافة إلى أن جماعة أنصار الله نجحت وعبر العامين الماضيين فى بناء شبكة من التحالفات الداخلية الحزبية والقبلية مكنتها من إحكام سيطرتها على المؤسسات والمنشآت الحيوية وعلى المدن دون مقاومة فعلية من قوات الأمن، الأمر الذى يجعل من ضرب تلك التحالفات سياسيا ومجتمعيا أحد الأسلحة الفعالة التى يمكن أن تستخدمها قوى التحالف لمواجهة الحوثيين وبالتحديد ضرب التحالف بينهم وبين الرئيس السابق على عبدالله صالح؛ حيث يتمتع الأخير بموالاة عدد من القيادات والألوية والفرق العسكرية اليمنية له ولأسرته. تفكيك التحالف ومن ثم تصبح مهمة فك الارتباط بين الطرفين المتحالفين أولى خطوات تقليص القوة العسكرية للحوثيين التى يوفرها لهم تحالفهم مع عبدالله صالح. أضف إلى ذلك أن تلك الجماعة تقوم بتوظيف وحدات الجيش الموالى لها فى مهام تخدم مصالحها وتؤمن امتداد نفوذها لباقى أقاليم الدولة اليمنية وذلك عبر محاربة مقاتلى القبائل السنية التى تدافع عن مدنها فى مواجهة المد الحوثى الشيعى من ناحية وعبر مواجهة تنظيم القاعدة الذى يحاول تقويض تقدمها للجنوب من ناحية ثانية. ناهيك عن الإجراءات التى اتخذتها ردا على مؤتمر الرياض الذى دعت إليه السعودية أطراف الأزمة اليمنية للحوار وذلك فى منتصف مارس الماضى وقبيل انعقاد القمة العربية الأخيرة فى القاهرة، وتمثلت هذه الإجراءات فى عدة نقاط منها؛ الرفض التام لإجراء أى حوار يتعلق بالأزمة فى الرياض تكون نتيجته تقليص المكاسب التى حققها الحوثيون التى تصب مباشرة فى مصلحة المشروع الإيرانى الإقليمى، الاتجاه إلى توسيع دائرة التعاون والتحالف بين الجماعة وإيران بعقد اتفاقيات “نوعية” فى مجالات النفط والكهرباء وتشغيل وصيانة الموانئ، إجراء تعديلات فى نطاق قيادات الجيش وبالتحديد القوات الجوية اليمنية ما يؤشر على احتمالية قيام الحوثيين باستخدام سلاح الجو ضد القبائل السنية التى تقف فى مواجهة المد الحوثى الشيعى. إن هذا الأمر فى حالة حدوثه سيمثل نقلة نوعية فى دائرة الصراع اليمنى داخليا وإقليميا، أيضا حاول الحوثيون توظيف ورقة الخلافات الخليجية البينية بالنسبة للعلاقة مع إيران وبالتحديد إبراز تقاربهم مع سلطنة عمان على اعتبار أن الأخيرة تتمتع بعلاقات جيدة مع إيران، كذلك العلاقات الإيرانية الكويتية، والعلاقات الاقتصادية بين الامارت وإيران على الرغم من أزمة الجزر الإماراتية وعليه يبنى الحوثيون مواجهتهم لدول الخليج سياسيا على قدر من التمييز فى علاقتهم مع كل دولة على حدة. الاستسلام الحوثي ووسط احتمالات المواجهة البرية فى اليمن يبقى تساؤل حول سيناريو محتمل يقضى باستسلام الحوثيين، وهل هو ممكن أم أن ميزان الصراع الداخلى لايزال فى مصلحة تلك الجماعة؟ تتوقف الإجابة هنا على موقف إيران الراعى الإقليمى لجماعة أنصار الله الحوثية ويتراوح هذا الموقف بين التدخل العسكرى المباشر إلى جانب الحوثيين على غرار ما يحدث فى العراق وسوريا وبين التهدئة والدخول فى مفاوضات مباشرة مع أطراف الأزمة داخليا وأطرافها الإقليمية؛ واختيار أحد الموقفين بالنسبة لطهران محكوم بعوامل عدة منها؛ أن التدخل المباشر عسكريا فى اليمن من جانب إيران يكاد يكون مستبعدا لأن ذلك قد يدفع العلاقات فى منطقة الخليج العربى لحافة المواجهة العسكرية الإقليمية الواسعة، وهو ما لم تسمح به مصالح عدد من القوى الدولية وفى مقدمتها الولاياتالمتحدة التى مازالت تدير مفاوضات نووية مع إيران مع الأخذ فى الاعتبار ما تمثله منطقة الخليج من مصالح وثقل استراتيجى بالنسبة لها. ومن ثم، فإن الموقف الأقرب للواقع الذى يمكن أن تتخذه إيران هو الاكتفاء باستخدام أدوات ضغط على التحالف الداعم لهادى فى مواجهة الحوثيين فى ملفات إقليمية أخرى تمثل بالنسبة لها أهمية استراتيجية تفوق أهمية الانخراط فى اليمن وتتقارب فى الوقت نفسه مصالحها فيها مع مصالح واشنطن وبالتحديد الملف السورى والعراقى، لأنه سيصبح من الصعوبة على إيران توسيع نطاق نفوذها الإقليمى فى الوقت الذى مازالت فيه منخرطة إقليميا واستراتيجيا فى منطقة الشرق الأوسط بينما لايزال اتفاقها النووى رهين المفاوضات من ناحية، واقتصادها يعانى صعوبات جراء العقوبات من ناحية ثانية، وبالتالى فمن المرجح أن تلجأ إيران - فى استمرار دعمها للحوثيين- إلى آليات غير عسكرية تمكنها من تحقيق أهدافها هناك عبر ممارسة ضغوط ناجزة على الحوثيين تستهدف التوصل إلى تهدئة ميدانية تمهد لتسوية ما مستقبلا. حافة الهاوية وأخيرا يمكن القول أن التأخر الخليجى فى التعامل مع الملف اليمنى هو ما أسهم فى تفاقم الأحداث وقد جاء هذا التأخر كنتيجة منطقية لحالة الإنشغال بملفات إقليمية أخرى والانخراط فى السياق الإقليمى والدولى لمحاربة الإرهاب وإغفال التقدم الحوثى الحثيث فى اليمن، وهو ما يفرض على دول الخليج والمتحالفين معها مهام غاية فى الصعوبة لاسيما بعد استخدام خيار القوة العسكرية فى التعامل مع الأزمة وهو خيار يجعل جميع أطراف الأزمة تسير على حافة الهاوية.!!