تجول بعينيه داخل عربة القطار العتيقة،هالته تلك الأجساد الممتدة فوق رفوف الحقائب،كاللحم على أسياخ الشواء،أما الرأس فهو مرفوع فوق وسائد من مواد غير مألوفة: حذاء أو كرتونة أو زجاجة مياه معدنية أو شنطة يد أو شال «صعيدى» مكور بعضه على بعض. تساءل: من أين جاء لهؤلاء إبداع تلك الوسائد؟ أخذه السؤال إلى بعيد ، إنها نفس الروح التى سرت فى الأجداد ، فكانوا أول من كتب وأول من قرأ وأول من أقام دولة وأول من بنى معابد وأول وآخر من بنى أهرامات..إنها نفس الجينات تتجسد أمامه يرى راكبا نائما يغط فى نوم عميق وقد صنع من ذراعه منطقة المعصم إلى الكوع - وسادة عظمية مغلفة بجلد طبيعى مغطى بشعر, فيقول فى سره: سبحان الله.. ما أعظم الصانع.. وما أعظم المستخدم. لماذا يصِم البعض هؤلاء بالجهل وقلة الحيلة!! إنهم علماء مبتكرون بالفطرة. تدهشه الفكرة: المصرى جُبل على رفع رأسه. نعم.. إذ يحتل الرأس موضعه العالى شكلا وموضوعا: «ارفع راسك فوق انت مصرى», حتى موتانا لا نحرمهم من الدعاء بأن: «ربنا يبشبش الطوبة اللى تحت رءوسهم».. إنه إرثنا العميق ما زال ينبض بداخلنا. فلماذا نخجل منه ؟! حتى من فرى أمعاء جدوده وآبائه على الخوازيق يفخر بأنهم ماتوا-على الخازوق- رجالا مرفوعى الرأس. ومن شباك عربة القطار، يرى على ترابيزة حجرية فى المحطة، أعدت للجلوس، راكبا نائما فى وضع القرفصاء، واضعا كارتونة تحت رأسه. ويداه: واحدة بين فخذيه والأخرى على وجهه فيتذكر لوحات محمود سعيد وراغب عياد وحامد عويس.