تأتى استضافة القاهرة لعقد القمة العربية اليوم وغدا فى ظل سياق اقليمى ودولى ضاغط على المنطقة العربية لاسيما بعد تنامى المخاطر والتهديدات التى تواجه دول الربيع العربى، على خلفية الانهيارات المتتالية فى ركائز النظام الإقليمى العربى، بعد خروج العراق وسوريا من معادلة التوازن، الذى يعد خصماً مباشراً من رصيد القوة العربية. وبقدر تنوع التحديات الداخلية والخارجية التى تواجه المنطقه، فإن ثمة رؤية عربية تدعو لإمكانية أن تكون قرارات وتوصيات القمة المقبلة بداية للاستثمار فى هذه المخاطر والتهديدات وتحويلها إلى فرص لمواجهة تحديات الواقع العربى بتعقيداته المختلفة. حيث تتنوع هذه التحديات التى يأتى فى مقدمتها تمدد التنظيمات الإرهابية فى دول الربيع العربى، خاصةً تنظيم داعش الذى نجح فى الاستيلاء على مدن وقرى عراقية وسورية كاملة فضلاً عن انتشاره فى ليبيا واليمن ودول عربية أخرى، وهو ما أدى إلى توحشه وقيامه بأعمال تهدف إلى بث الرعب فى المناطق التى تقع تحت سيطرته لتنشيط الرغبات الانفصالية للأقاليم المختلفة وتثبيتها كحقائق على أرض الواقع. أما التحدى الثانى فيتمثل فى تمدد المشروع الإيرانى فى المنطقة العربية عبر وكلاء لطهران فى عدد من العواصم العربية ،لاسيما أن ثمة علاقة طردية بين تفتت وانقسام الدول العربية و تمدد المشروع الإيرانى، وقد تجلى ذلك بوضوح فى العراق وسوريا ولبنان، وأخيراً فى اليمن بعد النجاحات التى حققتها جماعة الحوثى فى الاستيلاء على السلطة، إذ تهدف إيران إلى إيجاد موطئ قدم لها بالقرب من الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية على نمط حزب الله فى لبنان لتبقى شوكة فى خاصرة النظام السعودى، فضلاً عن رغبتها فى انجاح مشروعها النووى ونقل المواجهة مع القوى المناوئة لهذا المسعى إلى خارج الأراضى الإيرانية فى ظل تعميق علاقاتها بمراكز القوى الناشئة فى دول الاقليم، وهو ما يعلى من أوراقها إيران التفاوضية مع القوى الغربية حول برنامجها النووى الذى تسعى من خلاله للتحول لقوة اقليمية تعيد رسم مسارات المنطقة وفق أجندتها ومصالحها. ويأتى التحدى الثالث وربما الأبرز والذى يرتبط بسيولة النظام الدولى وغياب أدوات الضبط والتشريع على مجمل تفاعلاته فى ظل ما تعانيه الهيمنة الأمريكية من أزمة واضحة تجلت فى المشكلات الاقتصادية التى يعانى منها الداخل الأمريكى،وقد تزامن مع ذلك صعود أقطاب اقتصادية تسعى للعب أدوار سياسية تتوزاى مع الثقل التنموى الذى تحقق فى أقاليم متعددة جعل بعض الكتابات تتنبأ بأن القرن الحادي والعشرين سيكون آسيوياً. وبرغم ما تحمله التحديات السابقة من مخاطر على المنطقة العربية، بقدر ما تحمل فى طياتها من فرص متاحة يمكن استثمارها وتوظيفها لخدمة أهداف الأمن القومى العربى، وهو ما يتجسد أولاً فى التصورات أو الرؤى التى يجب أن تتبناها الدول العربية لمواجهة التهديدات الإرهابية،خلال القمة المقبلة، حيث تبرز فى هذا السياق شمولية الرؤية المصرية لمواجهة جميع التنظيمات الارهابية، والتى تتمايز عن الرؤية الأمريكية الانتقائية وتتماثل مع الرؤية الأوروبية، فى ضرورة تعزيز دور المدخل التنموى الذى يستند إلى ضرورة أن يكون للتنمية المستدامة بأبعادها المختلفة الأهمية القصوى فى اِستراتيجية مكافحة الإرهاب، إذ ان الفقر والتخلف يمثلان بيئة خصبة لنمو الإرهاب والفكر المتطرف، ومن ثم فإنه من الأهمية بمكان أن يسهم المجتمع الدولى فى تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لدول المنطقة التى عانت من تراجع معدلات النمو، وذلك من خلال شراكة حقيقية بين دول الإقليم والقوى الكبرى والمنظمات التنموية الدولية،يضاف إلى ما سبق ضرورة تعزيز دور المؤسسات الدينية المعتدلة فى العالم العربى لتفنيد مزاعم التنظيمات الإرهابية وكشف زيف إدعاءتها انطلاقاً من أن كل الجرائم التى ترتكب باسم الدين أبعد ما تكون عن قيم الإسلام السمحة . أما على المستوى العملى على أرض الواقع، فإن مواجهة هذه المخاطر ربما يمثل فرصة مواتية لاستغلال التهديدت وتوظيفها بما يحقق مصالح العرب،وهنا يبرز مساران الأول ضرورة إعادة النظر فى آليات التحرك العربى لمواجهة الوسائل المستحدثة التى تستخدمها الحركات والتنظيمات الإرهابية العابرة للحدود والتى أضحت أكثر تعاوناً مع عصابات الجريمة المنظمة فى المنطقة.لذلك ربما يمثل المقترح المصرى فى تدشين قوات عربية للانتشار السريع لمواجهة التهديدات المضاعفة فى الدول العربية طرحاً ملائماً لعمق التحديات وخطورة تداعياتها على وحدة وتماسك الدولة العربية ، والبحث خلال فعاليات القمة فى مدى امكانية إنشاء منظمة للتعاون الأمنى على غرار منظمة الأمن والتعاون الأوروبى ،وهو ما سيشكل إضافة جديدة لآليات للعمل العربى المشترك واستثماراً طويل الأجل. أما المسار الثانى وربما هو الأهم فإنه يرتبط باستثمار اللحظة التاريخية واتفاق العرب على مصادر تهديد أمنهم، بما يتطلب الإسراع فى تعديل ميثاق جامعة الدول العربية، واعطاء وزن نسبى للتصويت على قرارات الجامعة كما يحدث فى منظمات إقليمية فاعلة مثل الاتحاد الأوروبى. إن تنامى التهديدات والمخاطر التى تواجه الدول العربية من الممكن أن تمثل فرصا مواتية يمكن استثمارها واستغلالها وتوظيفها لخدمة قضايا العرب بشرط أن تنجح القمة القادمة فى تدشين آليات أكثر قدرة على التعامل مع هذا الواقع وتعقيداته كما هو لا كما ينبغى، وهو ما يعنى تبنى بدائل محددة، قادرة على فرض رؤية العرب وإرادتهم المستقلة، على رسم مستقبل المنطقة ومساراتها المحتملة. لمزيد من مقالات د. مبارك مبارك أحمد