اشعل رئيس المفوضية الاوروبية جان كلود يونكر جدلا واسعا في المانيا واوروبا بمطالبته بإنشاء جيش اوروبي موحد لكي يستعيد الاتحاد الاوروبي ثقله عالميا ويتمكن من مواجهة التهديدات الإقليمية والدولية وخاصة من قبل روسيا بشكل حاسم. وكان من الممكن ان تمر تصريحات يونكر مرور الكرام باعتبارها امنية من الصعب ان تتحقق في ظل الظروف الراهنة لولا ان كبار المسؤلين والسياسيين الالمان وفي مقدمتهم المستشارة انجيلا ميركل سارعوا بتأييد الفكرة واثنوا عليها بإعتبارها مطلبا ملحا ومشروع المستقبل للإتحاد الأوروبي الذي بدأت المانيا بالفعل في وضع النواة له من خلال تعاون عسكري مكثف مع بولندا بل ودمج وحدات من الجيش الهولندي في الجيش الألماني كما كشف سياسيون المان مؤخرا. يونكر يرى ضرورة ملحة في الإسراع بتشكيل هذه القوات الأوروبية المشتركة بعد ان فقدت اوروبا الكثير من وزنها على الصعيد الدولي ولم يعد أحد يأخذها على محمل الجد على حد تعبيره. ويرى ان تشكيل هذه القوات سيعجل من وضع سياسة خارجية وامنية مشتركة لدول الإتحاد والتحرك الجماعي لمواجهة اي تهديد لدولة عضو في الاتحاد او جارة له في إشارة واضحة للتهديدات الروسية لاوكرانيا ومخاوف دول البلطيق وشرق اوروبا من تنامي النفوذ الروسي. وفيما تعرض اقتراح رئيس المفوضية لنقد لاذع في العديد من الدول الاوروبية وفي مقدمتها بريطانيا التي ترى في حلف الناتو الغطاء العسكري والأمني الوحيد والكافي للاتحاد الأوروبي وبالتالي ترفض المساس به او تشكيل اي قوات اوروبية مشتركة موازية له، فإن الترحيب الألماني الواسع به لم يكن مفاجئا فالحقيقة ان المستشارة الألمانية انجيلا ميركل نفسها تروج له منذ عام 2007 ويدعمها الآن ايضا الاشتراكيون الديمقراطيون الشركاء في الائتلاف الحاكم في برلين. وإلى جانب المستشارة ميركل اوضح رئيس لجنة الدفاع في البرلمان الألماني هانس بيتر بارتلز اسباب دعم المانيا لهذه الخطوة مشيرا إلى ان جهود الدفاع الاوروبي المشترك تعثرت كثيرا في العقد الماضي واليوم تواجه دول الاتحاد نفس التحديات والمخاطر والتهديدات ولكن مجال الدفاع المشترك هو اضعف مجالات التعاون فيما بينها! هذا في الوقت الذي تنفق فيه كل دولة امولا طائلة على ميزانيات الدفاع الوطنية دون ان يكون لذلك اي تأثير مباشر على الامن الأوروبي او التنسيق والتعاون بين دول الاتحاد. فكل دولة تحتفظ باستقلاليتها في هذا المجال ونجد لدينا في اوروبا 28 جيشا وطنيا تقدر ميزانيتها ب 190 مليار دولا اي اكثر من روسيا ويقدر تعداد جنودها مجتمعة بمليون ونصف جندي اي اكثر من الولاياتالمتحدة ومع ذلك تشعر اوروبا بانها مهددة! ويلمس بارتلز اليوم رغبة من الكثير من دول الاتحاد في توثيق التعاون العسكري فيما بينها لتوفير النفقات في المقام الاول. وقد بدأت المانيا في التعاون الثنائي المشترك مع جيرانها في دمج وحدات من الجيش وتشكيل قيادات مشتركة وإجراء مناورات وتدريبات مشتركة وهي إستراتيجية سليمة كما يقول السياسي الالماني . فبدلا من الانتظار سنوات حتى تتفق الدول الأوروبية على إستراتيجية دفاع مشتركة تعتبر هذه الاتفاقات الثنائية «نواة» للجيش الأوروبي الموحد في المستقبل. ويشير المعهد الدولي للسياسات الامنية في برلين الى امثلة لما اتخذته المانيا بالفعل من خطوات في هذا الاتجاه مثل الانتهاء من عملية ادماج قوات المظلات الهولندية بالفعل في القوات الألمانية خلال العام الحالي او القادم على اقصى تقدير وكذلك إدماج قوات هولندية في الفرقة الأولى المدرعة الألمانية مع إجراء تدريبات مشتركة والتسليح المشترك والمشاركة في مهام دولية مشتركة في المستقبل. وردا على المعارضين لخطوة تشكيل جيش اوروبي مشترك يقول رولف موتسنيخ نائب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي انه من المفهوم طبعا ان الدول لا تريد التنازل عن سيادتها على جيوشها وعلى قراراتها العسكرية وحتى المانيا لا تريد ذلك ولذلك فإن البرلمان الاوروبي سيكون له دوره هنا في الرقابة على هذا الجيش وتكليفه بمهامه مثلما يحدث حاليا في المانيا عندما يقر البرلمان مهام القوات الالمانية اولا قبل إرسالها في اي مهمة للخارج كما يتطلب ذلك تشكيل لجنة للدفاع في البرلمان الاوروبي. طبعا اتهمت احزاب المعارضة وخاصة حزب اليسار حكومة ميركل بأنها تسعى بكل قوة لتوسيع النفوذ الألماني في اوروبا عسكريا بعد ان هيمنت عليها سياسيا واقتصاديا وان برلين تستغل الأزمة الأوكرانية ومخاوف دول شرق اوروبا من روسيا للاقتراب من هذا الهدف. ويقول خبراء المعهد الدولي للسياسات الأمنية في برلين ان هناك تباعدا بطيئا ولكنه واضحا ومستمرا بين برلين وواشنطن والخلاف الحالي بين الشريكين في التعامل مع روسيا في الأزمة الاوكرانية خير مثال على ذلك. وتطمح المانيا في استقلال اوروبا عسكريا بعيدا عن الهيمنة الامريكية واعتماد اوروبا الكامل على حلف الناتو خاصة في ظل الاهتمام الأمريكي المتزايد بآسيا. وتروج برلين لسياسة دفاعية مشتركة بين دول الاتحاد مذكرة الدول المعترضة مثل بريطانيا أن معاهدة لشبونة تنص على ذلك. وتدرك حكومة ميركل تماما ان الجيش الأوروبي الموحد لا يزال هدفا بعيد المنال وانه في ظل فشل الدول الاوروبية في الاتفاق حول سياسة خارجية مشتركة يصعب تصور اي اتفاق فيما بينها حول هياكل عسكرية مشتركة وهيئة اركان وقوات مسلحة مشتركة بل وان تتقبل اي دولة ان تتلقى قواتها العسكرية قرارات من بروكسل او ستراسبورج. ورغم ذلك تستمر برلين في إستراتيجيتها الدءوبة لبناء نواة هذا الجيش بالتعاون التدريجي مع دول الجوار كما ان ملف الدفاع المشترك سيتصدر جدول أعمال القمة الأوروبية المقبلة في مايو.