يبدو أن الحزن العميق والنبيل تحول إلي أيقونة حياتنا من فرط الفقد المتتالي لبعض من الأحبة والأصدقاء الأعزاء, حيث يغادر وننا بغتة وبلا وداع, ربما لأنهم يعلمون أنهم يسكنون في شغاف قلوبنا ويتداخلون في خطوط حياتنا بالمحبة والصداقة التي منحونا أياها في كرم, وبلا من لأنهم يحملون في دواخلهم نهر متدفق من فيوضات النبل والجمال والخير والسلام والسكينة التي يوزعونها علي الآخرين, وعلي أصدقائهم ومحبيهم. من أحزان السياسة علي ما جري بنا وحولنا من تجريف للمشاعر الجميلة والقيم الفضلي السامية, وبعض من الحنان الجمعي الذي كان يسم حياتنا نحن المصريين علي اختلاف انتماءاتنا الدينية والمذهبية والسياسية والاجتماعية, وكانت الموحدات الوطنية هي أيقونة أخري لأبناء أمتنا المصرية. ثمة إنسانية مصرية خاصة مفتوحة علي تاريخها العريق وتجاربه وآلامه وإشراقاته وعلي عوالمها علي تعددها تعطي وتأخذ في خصوصية فريدة, تستطيع أن تلتقط بعض ملامحها وروحها في سلوكيات غالب المصريين, وفي محبة الأصدقاء, من هنا كلما استدعي القلب والذاكرة ويقظة المشاعر الفرادة المصرية النبيلة, تداعي الأصدقاء الأحبة الذين أعطوا لحياتنا معني ودلالة وأفقا مفتوحا علي إنسانيتهم الرحبة ومنهم صديقنا الراحل المقيم ماهر الدهبي الصحفي والمهني الكبير والمثقف المتميز بلا ضجيج ولا صخب, المثقف الهادئ الرصين الذي يمتلك الأفكار المنسوجة في قلب المعلومات, ويطرحها في هدوء وأناة, بعد أن يستمع في عمق لآراء الآخرين, ويتدخل عندما تبدو ثمة حاجة ووجاهة لتدخله. رجل مهني متميز وبارز في تاريخ الصحافة المصرية وفي قلبها الأهرام المؤسسة, والدور, والتاريخ العريق. ماهر الدهبي مهني ومثقف عرف وخبر الحياة العامة في أدق ثناياها وتفاصيلها في الخمسين عامآ الأخيرة من حياة النخب المصرية السياسية والفنية والمثقفة, ناهيك عن عمق خبراته وثراء معلوماته وإطلاعاته. رجل المحبة الذكية والتسامح الذي جعل من قلبه الكبير فضاءات إنسانية رحبة ومحبة غامرة لأصدقائه وللناس. كان يتابع في دأب وذكاء الأحداث ووقائع السياسة والثقافة والمهنة وتحولات البشر والمكان والقلوب والعقول والقيم. ماهر الدهبي كان تعبيرا عن اللطف في أرقي صوره وتعبيراته ومعانيه المتعددة. اللطف والذكاء والتسامح واللغة المقتصدة والمكثفة والذكية, كانت أبرز ملامح هذا الصديق العزيز الغالي المقيم بيننا متي تذكرنا ومارسنا واحتجنا إلي اللطف في التعبير, والسلوك, والملامح., سيظل مقيما بيننا نحن أصدقائه في مقهي ريش, وفي جلسات أصدقائه الشهرية ونصف الشهرية التي تحمل بعض من نوستالجيا مصر الجميلة واللطيفة والذكية واليقظة والمشعة بالتطلع الإنساني نحو آفاق أكثر تطورا. ماهر الدهبي كان يحمل في روحه الوثابة إيمانا عميقا ببلاده ومستقبلها, ولم يكن موزعا للقنوط, أو التشاؤم, وإنما كان يوزع ويحمل تفاؤلا ذكيا بأن مصر الجديدة ستكون أكثر لمعانا وتطورا, وفي طليعة منطقتها وعالمها بالمعرفة والعلم والديمقراطية والعدالة والتسامح والمواطنة والذكاء والمحبة واللطف بين المصريين. رحم الله ماهر الدهبي الصديق والإنسان الجميل الذي سيعيش بيننا ما بقيت القيم الجميلة لمصرنا العزيزة الغالية. المزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح