اوقات كثيرة مع الأحداث المتلاحقة تبدأ الكلمات بالتساقط ويأتي دور الأبحار في صمت للبحث عن معاني عجزت الحروف عنها؛ معاني كلما فقدناها تعثرت بنا الحياة وأخذتنا بلا رجوع داخل بحر مظلم من المشاكل والأزمات المختلفة. كل يوم أصبح هناك أحداث مختلفة تقشعر لها الأبدان؛ وبين الخبر والأخر وجدتني أتذكر قصة "سور الصين العظيم" اعظم واندر مشروع دفاعي عسكري في التاريخ المعماري البشري؛ قبل أكثر من 2000 عام كانت الصين تتعرض لهجوم مستمر من قبل القبائل المحيطة بها لذا قرر ملوكها في ذلك الوقت بناء سور ضخم يصل طولة إلي 2400 كيلو متر اشتغل في بنائه حوالي 300 الف عامل، كان لهذا السور الضخم بوابات للدخول يحميها حراس اقوياء؛ كل هذا من أجل حماية الصين من الغزو المتكرر عليها، لكن المفاجأة رغم كل الجهود التي بذلها الحكام الصينيون لإنهاء بناءه، لم يقم السور بمهمته المطلوبة في الدفاع عن البلاد ضد هجمات الشعوب البدوية (البرابرة)، فقد تعرضت الصين للهجوم بعد انشاء السور ما يقرب من اربعة لخمس مرات. وبالدراسة وجدوا أن الثغرات لم تكن في البناء بالعكس كانت في أخلاق وعقول حراس البوابات؛ لقد نجح ملوك الصين القدماء في بناء اقوي واعظم مشروع علي مر العصور لكنهم فشلوا في بناء أخلاق وعقول حراس البوابات فكان هذا هو مدخل الهزيمة. فكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي " إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.. صلاح أمرك للأخلاق مرجعه فقوّم النفس بالأخلاق تستقم.. إذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً وعويلاً.. فالأمم تضمحل وتندثر إذا ما انعدمت فيها الأخلاق"... عندما تغيب الأخلاق والقيم والمبادئ ينخر السوس في الضمير البشري ليصبح البناء هش مهما كانت قوته.. فلماذا نتعجب اذا من وجود حرائق ونسعي وراء معرفة ان كانت بفعل فاعل أم اهمال عامل، وننسي أن الإهمال في حد ذاته تواطئ. نفزع لوقوع حادث يسفر عن مصرع وإصابة 32 شخصًا بينهم أطفال في رحلة مدرسية لمزرعة أقام صاحبها مداخلها على الطريق الصحراوي في منطقة عبور القطارات...وان كان هو بلا ضمير فأين أدارة المدرسة والسائق الذي لم يتوخى الحذر، بل أين نحن من حوادث المزلقانات المستمرة؟! يقال أن غياب الثقافة والفكر والأدب والفن أدى إلى ما نحن فيه من أمراض مجتمعية عاتية.. فما هو قولك عندما تسمع أن صاحب الفكر والفن هو الأداة التي تعبث بالثقافة والأبداع؛ فمن فترة قصيرة قام بعض القائمين علي أحدي المسرحيات بمسرح السلام بتقطيع لوحة "نجوم الفن" او "مائة عام من التنوير" التي رسمها الفنان صلاح عناني عام 1990، لانهم يحتاجون للأخشاب دمروا جدارية ثمينة تضم 27 شخصية من نجوم التنوير.. ضاعت قيمة الجمال والفن عندما تاهت المبادئ ونخر السوس الضمير. ومن أكثر الأشياء الصادمة أيضا عندما انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا صورة "سلفي" لبعض الأطباء في غرفة العمليات أثناء أجراء عملية جراحية لأحدي المرضي؛ أن كانت هذه الصورة حقيقية فهذه كارثة بكل المقاييس، وأن كانت دعابة فهل وصلنا إلي هذا الحد من الاستخفاف؟! مهما تنوعت الأحداث والازمات في النهاية أبحث عن الأخلاق . [email protected] لمزيد من مقالات مى إسماعيل