تظل الإستراتيجية الأمريكية الفاشلة, التى توجت فى ربيع عام 1961 فيما عرف بغزوة "خليج الخنازير", أشبه بعقيدة مهيمنة على الفكر الأمريكي فى مواجهة خصومة. وبالرغم من أنه فى كل مرة تقريبا, تم استخدام تلك الإستراتيجية البائسة, كانت النتائج تأتى عادة بفضيحة مدوية وفشل ذريع لمحاولات الولاياتالمتحدة الدءوبة والمتواصلة لإسقاط الأنظمة المزعجة, إلا أن هذا على ما يبدو لم يردعها يوما عن تكرار المحاولة. ورغم فشلها فى كوبا, وفى العراق وفشلت فى أفغانستان, ويبدو جليا أنها فاشلة فى أوكرانيا, لكنها تظل متمسكة بالإستراتيجية الأم وتعلن أنها ستستخدمها من جديد فى سوريا, مع إعلانها الرسمى أخيرا عن تدريب ما سمته بالمعارضة السورية المعتدلة فى تركيا. يؤكد التاريخ الحديث أن عملية خليج الخنازير كانت واحدة من أفشل العمليات الأمريكية طوال فترة الحرب الباردة, مع نتائج، كارثية لم يكشف عن سريتها حتى يومنا هذا, ففى 17 ابريل 1961 كان ما يقرب من ألف وثلاثمائة من المنفيين الكوبيين المسلجين الذين شكلوا ما عرف بلواء 2506, يحاولون الهجوم برمائيا وجويا علي خليج الخنازير الكوبى, هؤلاء المنفيين الذين دربتهم وكالة المخابرات المركزية الأمريكية فى إطار عملية سرية أطلق عليه إسم "زاباتا"، بهدف إسقاط النظام الشيوعى فى كوبا بزعامة فيدل كاسترو, وتصورت وقتها انه بامكانها السي اى ايه أنها بهذه القوة شبه العسكرية، والتى دربتها على حرب العصابات, ايجاد إنتفاضة فى الريف الكوبى من شأنها أن يسبب إنشقاقات واسعة داخل الجيش, ومن ثم إسقاط كاسترو. وكان التخطيط للعملية قد بدأ فى عهد الرئيس الأمريكى دوايت أيزنهاور فى مارس 1960, لكن من نفذه كان الرئيس التالى, جون كيندى الذى باشر فى تنفيذ العملية السرية, دون أن يسأل هو أو يسأل كبار مستشاريه عن تفاصيل "الخطة ب" من العملية, أو حتى عن المرحلة الثانية منها فى حال نجاحها. بعيدا عن أحلام وطموحات الإدارة الأمريكية وقتها ووكالة المخابرات المركزية, كان نظام كاسترو قد تنبه لمحاولة الغزو, وأمر بحشد جيشه في مواجهة العدوان, وفى غضون أربعة أيام, كان قد قتل 89 من أعضاء اللواء 2506 وأسر من بقى منهم على قيد الحياة, وظل غزو خليج الخنازير نموذجا واضحا وفريدا من نوعه لفشل السياسة الخارجية الأمريكية, سببه غرور وكالة المخابرات المركزية ووضعها خطة غير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع. ميكا زينكو, أحد أبرز المحللين الأمريكيين, والمتخصص فى الأمن الوقائى بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكية, استوقفته أوجه التشابه بين تدريب المعارضة الكوبية فى الستينيات وما أعلن عنه من تدريب قوات للمعارضة السورية الشهر المقبل, وأبدي ملاحظاته أو نقل توقعاته عن فشل نفس الإستراتيجية التى استخدمتها الولاياتالمتحدة من قبل مع كوبا, وبغض النظر عن أن الرجل لا يبدي فى تحليله أى مراجعة أخلاقية لتورط الولاياتالمتحدة الآن فى الحرب الأهلية الطاحنة الدائرة منذ ما يقرب من أربع سنوات فى سوريا, إلا انه يبدي وبوضوح ملاحظته حول إمكانية أن يضيع المزيد من هيبة الولاياتالمتحدة فى دخولها حرب مركبة ومربكة, فهى تعلن من جانب أنها تريد "هزيمة" وليس القضاء على داعش, ومن جهة أخرى تعلن أنه لا حل للازمة السورية سوى الحل السياسى بدون نظام الأسد. الواقع أن وكالة المخابرات الأمريكية قد عملت بالفعل ،وبشكل سرى لأكثر من عامين على إسقاط نظام الأسد دون جدوى, ولكنها تفترض الآن وبدعم من الكونجرس هذه المرة، أنها بتدريب من تعتبرهم المعارضة المعتدلة قادرة على تنفيذ المهمة وبنجاح, وذلك عن طزيق تحجيم داعش والتوصل إلى حل سياسى مع زعماء المعارضة داخل سوريا لإسقاط الأسد. من المؤكد وكما يعلن العديد من المراقبين الأمريكيين، أن إدارة اوباما لا تملك الآن الجزء الثاني من الخطة، وهى غير مهتمة بامتلاكها, فغالبا عبء تنفيذه سيكون على الإدارة المقبلة, وبالتالى فإن نتائج خطة تدريب المعارضة السورية, ومن سيكون البديل المتوقع عن نظام الأسد, هو أمر يخص من سيبقى من الشعب السورى, وبطبيعة الحال الساكن الجديد للبيت الأبيض.