جامعة الفيوم تحصد 3 مراكز متقدمة في الدورة 13 لمسابقة إبداع    لا يسري على هذه الفئات| قرار جمهوري بإصدار قانون العمل الجديد -نص كامل    موعد امتحانات الشهادة الإعدادية 2025 بالجيزة    التعبئة والإحصاء يكشف بالأرقام عدد وحدات الإيجار القديم    أسعار النفط تتراجع مع قرار "أوبك+" بتسريع زيادة الإنتاج    خريطة الأسعار اليوم: انخفاض اللحوم والأسمنت وارتفاع الذهب    رئيس الوزراء يلتقى رئيس البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية    مصر تحقق المركز الأول عالميًا في متوسط إنتاجية القمح الربيعي    استشهاد 3 فلسطينيين في قصف إسرائيلي جديد على خان يونس    تعرف على موقف ناصر منسي من لقاء الزمالك والبنك الأهلي    نجم الزمالك السابق: نظام الدوري الجديد يفتقد التنافس بين جميع الأندية    "بقاؤه مبقاش سهل".. أحمد شوبير يفجر مفاجأة بشأن رحيل حارس الأهلي    مدرب نيوكاسل: لن ننتظر الهدايا في صراع التأهل لدوري الأبطال    المشدد 3 سنوات لعاطل متهم بتزوير المحررات الرسمية في 15 مايو    حال الطقس.. الأرصاد: موعد بداية تحسن الجو وأمطار على هذه المناطق    "وُلدتا سويا وماتتا معا".. مصرع طفلتين شقيقتين وقع عليهما جدار في قنا    القضاء والذكاء الاصطناعي.. انطلاق المؤتمر العربي الأول بمشاركة قيادات النيابة الإدارية    بعد لقاء الرئيس السيسي بسلطانهم، من هم البهرة وسر علاقتهم المميزة مع مصر؟    أعدادهم بلغت 2.6 مليون.. أشرف صبحي: الطلاب قوتنا الحقيقية    الدكتور أحمد الرخ: الحج استدعاء إلهي ورحلة قلبية إلى بيت الله    طريقة عمل البيتزا، أحلى وأوفر من الجاهزة    محافظ الدقهلية يتفقد مستشفى المنصورة التخصصي (صور)    إحالة المتهم في قضية الطفلة مريم إلى الجنايات    أمل عمار: النساء تواجه تهديدات متزايدة عبر الفضاء الرقمي    رئيس أوكرانيا يعرب عن امتنانه للجهود التي تبذلها التشيك لدعم بلاده    رئيس الوزراء يلتقي رئيس البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية    كارول سماحة تكشف عن موعد تلقيها عزاء زوجها    تفاصيل اطلاق هيئة ضمان جودة التعليم فاعليات مبادرة بداية    شيخ الأزهر يستقبل والدة الطالب الأزهري محمد أحمد حسن    «وكيل الشباب بشمال سيناء» يتفقد الأندية الرياضية لبحث فرص الاستثمار    جوري بكر في بلاغها ضد طليقها: "نشب بيننا خلاف على مصروفات ابننا"    «الصحة» تعلن نجاح جراحة دقيقة لإزالة ورم من فك مريضة بمستشفى الشيخ زايد التخصصي    قطاع الرعاية الأساسية يتابع جودة الخدمات الصحية بعدد من الوحدات ومراكز طب الأسرة بأسوان    هيئة الرعاية الصحية: نهتم بمرضى الأورام ونمنحهم أحدث البروتوكولات العلاجية    إعلام إسرائيلي: الحكومة تقرر عدم تشكيل لجنة تحقيق في أحداث 7 أكتوبر    جدول امتحانات الترم الثاني للصف الثاني الثانوى في القليوبية    جامعة مايو تفتح ندوتها "الانتماء وقيم المواطنة" بكلمة داليا عبد الرحيم.. صور    الكرملين: بوتين لا يخطط لزيارة الشرق الأوسط في منتصف مايو    بالمجان وبدءًا من اليوم.. أفلام عالمية وهندية وأوروبية تستقبل جمهور قصر السينما    3 سنوات سجن ل "بائع ملابس" هتك عرض طالبة في الطريق العام بالإسكندرية    "صحة غزة ": عدد الشهداء الأطفال تجاوز 16 ألفا.. والقطاع يشهد مؤشرات صحية وإنسانية خطيرة    وزير الخارجية العراقي يحذر من احتمال تطور الأوضاع في سوريا إلى صراع إقليمي    جامعة بنها تحصد عددا من المراكز الأولى فى مهرجان إبداع    الهند تحبط مخططا إرهابيا في قطاع بونش بإقليم جامو وكشمير    مصرع طالبة صعقًا بالكهرباء أثناء غسل الملابس بمنزلها في بسوهاج    وزير الكهرباء يجتمع بمسئولي شركة "ساى شيلد" لمتابعة مجريات تشغيل منظومة الشحن الموحد    محمود ناجي حكما لمواجهة الزمالك والبنك الأهلي في الدوري    توقعات الأبراج اليوم.. 3 أبراج تواجه أيامًا صعبة وضغوطًا ومفاجآت خلال الفترة المقبلة    بدرية طلبة تتصدر الترند بعد إطلالاتها في مسرحية «ألف تيتة وتيتة»|صور    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الاثنين    ترامب يدرس تعيين ستيفن ميلر مستشارا للأمن القومي    نتنياهو: خطة غزة الجديدة تشمل الانتقال من أسلوب الاقتحامات لاحتلال الأراضى    موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025 .. تعرف عليه    ارتفعت 3 جنيهات، أسعار الدواجن اليوم الإثنين 5-5-2025 في محافظة الفيوم    أمير هشام: الزمالك في مفاوضات متقدمة مع البركاوي.. وبوزوق ضمن الترشيحات    تكرار الحج والعمرة أم التصدق على الفقراء والمحتاجين أولى.. دار الإفتاء توضح    محظورات على النساء تجنبها أثناء الحج.. تعرف عليها    على ماهر يعيد محمد بسام لحراسة سيراميكا أمام بتروجت فى الدورى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين المَوضِع والمَوقِع

في مثل هذا الشهر (فبراير) سنة 1928 وُلِد العالِم المصري المُتفرّد الدكتور جمال حمدان، الذي أثري المكتبة الإنسانية بكنزٍ من الكُتُب والدراسات،
لعل أكثرها شُهرةً كتابُه (شخصية مصر - دراسةٌ في عبقرية المكان) وكان هو نفسه نموذجاً في عبقرية الإنسان الذي يعرف معني كرامة العِلم والعالِم.. يكفي أن هذا العالِم الجليل عندما زاحَمَه أحد الصغار علي استحقاقه في الجامعة، تَرَك له الجَمَلَ بما حَمَل.. بل خاصَم الدنيا كُلّها وعكف راهباً في صومعته ينهلُ من العِلم ويُضيفُ إليه ويُخرج لنا هذه الأسفار إلي أن غادر دنيانا قتيلاً في صومعته الصغيرة بحي العجوزة عن خمسةٍ وخمسين عاماً فقط .. فاز الصغار بالمناصب (كعادتهم دائماً) ولم تكسب مصرُ منهم شيئاً ولكنها فازت بجمال حمدان.
علي العكس من كثيرين، لا يُحبطني ما يحدث في مصر من تفاعلاتٍ بدأت من قبل خَلْع مُبارك وما زالت مستمرّةً رغم ما يُصاحبها أحياناً من شططٍ أو تعثّر.. كلما أعدتُ قراءة كتابات جمال حمدان وجدتُ تفسيراً لما حدث ويحدث فيزداد تفاؤلي.. إنه المارد يستيقظ بعد رقودٍ وركودٍ قسري امتد إلي ما يقترب من أربعين عاماً.. أنستكثر عليه أن يفرك عينيه وينتفض قائماً في خمس سنوات؟.. مصر تعود إلي موقعها وتلك إرهاصات العودة.. فهذا قَدَرُ مصر وقَدْرُها بين موضعٍ حباها الله به وبين موقعٍ تستحقه يُزاحمها عليه الآخرون ويتآمرون عليه وعليها.
وليسمح لي القارئ الكريم بالعودة إلي بعض ما قاله جمال حمدان في هذا الشأن:
(كلما أمعَنّا تحليل شخصية مصر وتعمقناها استحال علينا أن نتحاشي هذا الانتهاء: وهي أنها فلتةٌ جغرافيةٌ لا تتكرر في أي ركنٍ من أركان الدنيا.. فالمكان «أي الجغرافيا» كالتاريخ لا يُعيد نفسه.. تلك هي حقيقة عبقريتها الإقليمية).
(تفسير هذه الشخصية الفلتة هو التفاعل ائتلافاً أو اختلافاً، بين بُعدين أساسيين في كيانها وهما المَوْضع Site والمَوْقِع Situation.. فالموضع نقصد به البيئة الطبيعية بخصائصها وحجمها ومواردها في ذاتها، أي البيئة النهرية الفيضية بطبيعتها الخاصة وجسم الوادي بشكله وتركيبه.. إلخ.. أما الموقع فهو صفةٌ نسبيةٌ تتحدد بالنسبة إلي توزيعات الأرض والناس والإنتاج حول إقليمنا، وتضبطه العلائق المكانية التي تربطه بها.. الموضع خاصيةٌ محليةٌ داخليةٌ ملموسةٌ، ولكن الموقع فكرةٌ هندسيةٌ غير منظورة).
(بهذين العنصرين الجوهريين والعلاقة المتغيرة بينهما نفسر شخصية مصرنا.. فهما يختلفان حين نجد أن حجم الموضع كان دائماً لا يتكافأ مع خطورة الموقع الحاسم علي ناصية العالم.. وحين نجد أن الأول «الموضع» ينتظم قدراً ما من العُزلة، والثاني «الموقع» يفرض فيضاً من الاحتكاك.. وهما يأتلفان في الأثر حين يدعوان إلي الوحدة السياسية والمركزية العنيفة، ومن حيث أن زمامهما ليس محلياً تماماً وإنما يرتبط بعوامل خارجيةٍ بعيدة.. وبين هذا الشد والجذب تخرج شخصية مصر الكامنة كَفَلتةٍ جغرافيةٍ نادرة).
(مصرُ بطريقةٍ ما تكاد تنتمي إلي كل مكانٍ دون أن تكون هناك تماماً .. فهي بالجغرافيا تقع في أفريقيا، ولكنها تَمُتّ أيضاً إلي آسيا بالتاريخ .. هي في الصحراء وليست منها، إنها واحةٌ ضد - صحراوية، بل ليست بواحةٍ وإنما شبه واحة.. هي فرعونيةٌ بالجد ولكنها عربيةٌ بالأب.. هي بجسمها النحيل تبدو مخلوقاً أقلّ من قوي، ولكنها برسالتها التاريخية الطموح تحمل رأساً أكثر من ضخم.. وهي بموقعها علي خط التقسيم التاريخي بين الشرق والغرب تقع في الأول، ولكنها تواجه الثاني وتكاد تراه عبر المتوسط).
(وإذا كان لهذا كله مغزي، فهو ليس أنها تجمع بين الأضداد والمتناقضات، وإنما أنها تجمع بين أطرافٍ متعددةٍ غنيةٍ وجوانب كثيرة خصبة وثرية.. بين أبعادٍ وآفاق واسعةٍ بصورةٍ تؤكد فيها مَلَكة الحد الأوسط وتجعلها سيدة الحلول الوسطي.. تجعلها أُمةً وَسَطاً بكل معني الكلمة .. بكل معني الوسط الذهبي.. ولكن ليس أُمةً نِصفاً.. وسطٌ في الموقع والدور الحضاري والتاريخي.. في الموارد والطاقة.. في السياسة والحرب.. في النظرة والتفكير.. إلخ).
رَحِم الله جمال حمدان رحمةً واسعةً ورَحِم مصر من الصِغار والأنصاف في الداخل والخارج.
لمزيد من مقالات م يحيى حسين عبد الهادى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.