نحو خمسة عشر قرنا من التعايش الآمن الحميم بين المسلمين والمسيحيين في مصر..فلم يكن المصريون يوما يفرقون بين مسيحي ومسلم, وهذه شهادة الفيلسوف والمؤرخ البريطاني ول ديورانت الذي يقول في كتابه قصة الحضارة :كان أهل الذمة المسيحيون واليهود والمجوس في عهد الخلافة الأموية يشعرون بدرجة من التسامح في البلاد الإسلامية لا نظير لها في البلاد المسيحية في هذه الأيام, فقد كانوا أحرارا في ممارسة شعائرهم, واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم. ويقول اللورد كرومر المعتمد البريطاني في مصر في أوائل القرن العشرين: لم أجد فارقا بين مسلم ومسيحي في مصر, ولم أكن أستطيع أن أميز بينهما إلا عندما يدخل المسلم يصلي في المسجد, ويدخل المسيحي ليصلي في الكنيسة. والشواهد التاريخية علي هذا التماسك في نسيج الأمة المصرية تفوق الحصر.. وعندما كان المحتل الإنجليزي يحاول بث الفرقة بين المسلمين والأقباط في مصر, قال السياسي المصري المسيحي مكرم عبيد: إنني مسلم وطنا, مسيحي دينا, وكان يحفظ القرآن ويستشهد في مرافعاته وخطبه بآيات القرآن. وحينما كتب اللورد كرومر يهاجم القرآن الكريم ويصفه بالركاكة, كان المفكر القبطي سلامة موسي هو الذي تصدي للرد عليه. وغير بعيد عنا المؤلفات العديدة للدكتور نبيل لوقا بباوي في الدفاع عن النبي وعن القرآن وعن الإسلام ضد الشبهات المغرضة, لدرجة أنه اقترح إنشاء قاعدة علمية ومعهد متخصص للدفاع عن الإسلام ضد الهجمة المعاصرة, بل وصرح بأنه سيتبرع بعشرة آلاف دولار دعما لهذا الجهد, يقول د.نبيل لوقا: وأنا برغم كوني مسيحيا أرثوذكسيا أؤمن بديانتي إلي آخر يوم في عمري مستعد للمساهمة بملبغ عشرة آلاف دولار لإنشاء أحد هذه المراكز الإسلامية من منطلق أنني أؤمن بديانة سماوية, وهي المسيحية التي تدعو للمحبة مع الآخر, وأن ما يربطنا مع المسلمين في مصر هو أكثر من المحبة والأخوة والصداقة, بل هو المصير المشترك, فما يؤذي أخي المسلم يؤذي المسيحي وما يؤذي المسيحي يؤذي المسلم عبقرية محمد صلي الله عليه وسلم بلا تعصب أو مجاملة, ص02. ومهما يقال عن الفلول والمؤامرات والأيدي الخفية( وإن كان بعضه صحيحا), فلا يجدر بنا أن تمر علينا محاولات إثارة الفتنة بين عنصري الأمة دون مواجهة, علينا أن نتحمل جميعا المسئولية بشجاعة, وأن نكون علي مستوي الظرف الدقيق الذي يضع وحدة الأمة علي المحك. لقد كان الأمل معقودا علي ثورة52 يناير التي شارك فيها المسلم والمسيحي, ورأينا الصليب يعانق الهلال, ولكن ها نحن أولاء أمام امتحان عسير لأبناء هذه الأمة, حيث يتألب دعاة الفتنة, لإثارة الجماهير العريضة باسم الدفاع عن الدين, والدين بريء من كل مظاهر العنف والإرهاب..الحل في العدل بين المصريين جميعا.. والمواطنة, فكلنا مصريون, فحماية الوطن والدفاع عن أمنه وسلامته واجب مقدس عند المسيحيين وعند المسلمين علي السواء. إن الأديان السماوية كلها مدد من السماء لهداية الحياري, وطاقة إيجابية في تحرير الإنسان وإطلاق قدراته الخلاقة. كفانا تجاهلا وتغاضيا عن كل مثير للفتنة, وعن كل مفرق يثير الأحقاد والعداوات, ولنكن أمناء علي هذا الوطن, ويدا بيد نبني وندعم الإخوة الإنسانية بيننا, ندعم الرحم الكريمة التي تجمعنا جميعا, فكلنا أبونا آدم وأمنا حواء, ولم يعد مجديا الاعتماد علي الحلول الأمنية, فالأمر جد خطير, فالحلول الأمنية أثبتت فشلها, وكذلك اللقاءات الشكلية المتكلفة بين رجال الدين المسيحي والإسلامي. إن العقلاء يتخذون من الأزمات والشدائد بداية للتماسك والتعايش الآمن, ونقطة انطلاق لبناء قواعد راسخة تقوم عليها حياتنا, تتأسس علي ثقافة الحوار, والشوري, والعدالة, والديمقراطية, والدولة المدنية وحكم القانون.وليت جهودنا في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ مصر تتوحد حول غاية واحدة: المشروع المصري للنهضة.. من أجل مصر الحضارة. بأيدينا جميعا بوصفنا مصريين أن نتقذ السفينة لتصل الي شاطيء النهضة بأمان وسلام.