جريمة بشعة تحمل بين طيات سطورها مأساة تدمي القلوب، وتشهد علي رحيل الرحمة والمودة والحب إلي مثواها الأخير ليحل الغدر والانتقام لإزهاق الأرواح البريئة، وتنصيب المشانق وشن السيوف لقتل كل من يعترض طريق الزوج، الذي جعل من نفسه القاضي والجلاد والخصم والحكم، وارتكب مذبحة عائلية، وعصف بأسرته، واستباح دماء أغلي الناس لقلبه، ورست سفينة حياته علي أعتاب السجن ليقضي بقية عمره خلف الأسوار. بكت القلوب قبل أن تبكي العيون داخل قرية شرنوب بمركز دمنهور بالبحيرة من أحداث مثيرة، لا ينطبق عليها سوي مذبحة عائلية، حولتها إلي سرادق عزاء كبير، ولا حديث الآن لأهالي المنطقة إلا عن تلك الجريمة التي تقشعر لها الأبدان، لأنها من أخطر القضايا التي عرفتها القرية وقد لا يصدقها عقل، وربما يعجز عن تصورها وتفاصيلها المروعة، لأنها لم تكن بسبب الثأر مثلا، أو الانتقام من الضحايا، ولكن بسبب الخلافات الأسرية المستمرة، حيث أفاقت القرية التي كثيرا ما تميزت بالهدوء والسكينة فجرا علي أصوات الصراخ والعويل الذي هز أركانها وفوجئوا بمذبحة داخل منزل إحدي عائلات (خطاب ) وآثار الدماء الملطخة علي حوائطه وأرضيته، ولم يجد الأهالي أي شيء يفعلونه غير الاتصال بالشرطة، وإثر ذلك تحركت قوة كبيرة من رجال الأمن علي رأسها اللواء دكتور أشرف عبدالقادر مديرالمباحث الجنائية بالمحافظة، والرائد محمد حمودة رئيس مباحث دمنهور، ومعاونه النقيب عمر أبو يونس إلي موقع الحادث وتحفظت علي المشهد المأساوي. المتهم هنا هو الزوج والأب والحماية والأمان، ولكن في لحظة شيطانية تحول إلي ملك الموت وأزهق الأرواح البريئة، و تجرد من كل مشاعر الأبوة والإنسانية، وانتزع من قلبه الرحمة والرأفة بعد أن خرج من دائرة العقل والعاطفة ليتحول لعدو قاس يمتلك قلبا من حديد، وفي لحظات انهزمت الدنيا، وقرر التخلص من زوجته وشقيقتها ووالدتهما وطفله الصغير، وقام بالدخول أعلي سطح الضحايا الملاصق لمنزله أثناء خلودهم للنوم واستل سكينا، وراح يتنقل من ذبح ضحية إلي نحر أخري بلا توقف، وهو ينافس في تحجر القلب والعواطف أكثر الحيوانات قسوة وهمجية ولم يجد مخرجا بعد ارتكابه هذه ( المجزرة)، إلا الفرار بمعاونة شقيقه الأصغر، و لم تستغرق الواقعة المذهلة التي جعلت الحزن يخيم علي الجميع سوي بضع دقائق. قال أحد الجيران وهو يبكي رحيل من كن مثل شقيقاته ووالدته، إن سكان القرية الهادئة استيقظوا علي صراخ إحدي الضحايا، وهو الطفل فارس الذي لم يتجاوز عامه الثالث، وهو يردد بابا ذبح ماما، ولكن أصوات الاستغاثة لم ترحمه من انتقام والده ولم يلتفت ( الجزار) إلي صراخ ( فلذة كبده ) الذي زاد من صراخه وهو يري جثث الضحايا والسكين في يد أبيه وعيونه مليئة بالغدر فعاجله هو الآخر بعدة طعنات حتي سقط الضحايا الأربع في دمائهم الزكية علي الأرض بجوار السرير، وكل منهم في بركة من الدماء وسط ذهول الأهالي الذين لم يتوقعوا أن يرتكب المتهم الجريمة بهذه الوحشية، خاصة أنه لم يعان أمراضا عقلية، بل كان في كامل قواه العقلية. في نبرة حزن يضيف أن الخلافات الأسرية تعود إلي بداية الزواج التي دامت نحو 4 سنوات، كان الزوج خلالها دائم التهديد والوعيد والانتقام رغم أن الزوجة حاولت أن تعيش، وتحملت الكثير لتبقي علي أسرتها، ولكن المتهم كان دائم الشجار لأتفه الأسباب، ويفرض سيطرته ويستعمل العنف والقسوة داخل منزله ، و أن الطفل فارس مازال في حالة خوف وهلع كبيرين ودائم البكاء بهيستيريا من هول الصدمة والمناظر المؤلمة التي شاهدها، حتي أصبحت تطارده ليل نهار . من جانبه أكد الدكتور رمضان الفقي مدير الاستقبال والطوارئ بمستشفي دمنهور أن الزوجة سبق أن تم إنقاذ حياتها بأعجوبة الشهر الماضي، حيث حضرت للمستشفي مصابة بكسر في عظام الجمجمة ونزيف داخلي إثر قيام الزوج بالتعدي عليها، وحينما تماثلت للشفاء أنكرت تعدي الزوج عليها حفاظا علي الأسرة، وادعت أنها سقطت علي الأرض ولم تتهم زوجها. البداية كانت عندما تلقت المباحث إخطارا من الرائد محمد حمودة مدير مباحث دمنهور بقيام حداد مسلح بذبح زوجته وشقيقتها ووالدتهما، وطعن نجله الصغير ثم فر هاربا بمساعدة شقيقه محمد، إلا أن المباحث تمكنت من ضبطه، واعترف بذبح زوجته 20 عاما، وشقيقتها 17 عاما طالبة بالثانوي، ووالدتهما 50 عاما، ولم يسلم نجله فارس 3 سنوات من جنونه حيث قام بطعنه وذلك انتقاما من أفراد الأسرة بسبب رفضها عودة زوجته إلي منزل الزوجية بعد هجرها لمنزله منذ أكثر من شهر، وأنه ألح علي والدتها للعودة، إلا أنها نهرته وطردته من منزلها وهددته بتطليقها رغما عن أنفه وحرمانه من رؤية ابنه، ابنه الوحيد، مما اضطره إلي ارتكاب جريمته.